الحمد لله.
أولا:
من بُعث معه السلام إلى شخص، وجب عليه تبليغه إن تحمّله؛ لأن ذلك من أداء الأمانة.
فإن لم يتحمله، أي اعتذر عن إيصال السلام: لم يلزمه.
قال النووي رحمه الله: "يسن بعث السلام إلى من غاب عنه. وفيه أحاديث صحيحة.
ويلزم الرسول تبليغه؛ لأنه أمانة، وقد قال الله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها).
وإذا ناداه من وراء حائط، أو نحوه، فقال: السلام عليك يا فلان، أو كتب كتابا وسلم فيه عليه، أو أرسل رسولا وقال: سلم على فلان، فبلَغَه الكتابُ والرسول: وجب عليه رد الجواب على الفور. صرح به أصحابنا، منهم أبو الحسن الواحدي المفسر في كتابه البسيط، والمتولي والرافعي وغيرهم.
ويستحب أن يرد على الرسول معه، فيقول: وعليك وعليه السلام ورحمة الله وبركاته.
وفيه حديث في سنن أبي داود، إسناده ضعيف. لكن أحاديث الفضائل يعمل فيها بالضعيف، كما سبق بيانه في مقدمة هذا الشرح" انتهى من "المجموع" (4/ 594).
وقال ابن مفلح رحمه الله: "قال الشافعية: ويستحب بعث السلام، ويجب على الرسول تبليغه.
وهذا ينبغي أن يجب: إذا تحمّله؛ لأنه مأمور بأداء الأمانة. وإلا، فلا يجب" انتهى من "الآداب الشرعية" (1/ 371).
وقال السفاريني رحمه الله: " وإن بعث معه السلام، وجب تبليغه إن تحمله" انتهى من "غذاء الألباب" (1/ 284).
وقال العراقي رحمه الله: "قال أصحابنا: ويجب على الرسول تبليغه، فإنه أمانة، ويجب أداء الأمانة.
وينبغي أن يقال: إنما يجب عليه ذلك إذا التزم، وقال للمرسل: إني تحملت ذلك، وسأبلغه له.
فإن لم يلتزم ذلك: لم يجب عليه تبليغه، كمن أُودِع وديعة فلم يقبلها" انتهى من "طرح التثريب في شرح التقريب" (8/108).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (11/38): "والتحقيق: أن الرسول إن التزمه، أشبهَ الأمانة. وإلا؛ فوديعة، والودائع إذا لم تُقبل، لم يلزمه شيء" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "هل يجب عليك أن تنقل الوصية، إذا قال لك: سلم لي على فلان؟ أو لا يجب؟
فصَّل فيها العلماء، فقالوا: إن التزمت بذلك، وجب عليك، لأن الله تعالى يقول: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء/58، وأنت الآن تحملت هذا.
أما إذا قال: سلم لي على فلان، وسكتَّ، أو ما أشبه ذلك: فهذا لا يلزمه" انتهى من "شرح رياض الصالحين" (4/ 401).
وعليه، فإذا قيل لك سلم، فإنك تقول: على من؟ ولك أن تمتنع، ولا تتحمل الأمانة.
وإن سكتّ لم يلزمك شيء.
وكذا لو قيل: سلم على الجميع، فلك أن تمتنع إذا كان يشق عليك ذلك.
ولو أطلق، ولم يذكر له معينا، ولا قال الجميع، كفى أن تسلم على شخص ممن يعنيه بسلامه، كأهله، أو أصدقائه، أو نحو ذلك.
ثانيا:
صرح الحنابلة كالشافعية بأن على من بلغه السلام أن يرد.
وأما الرد على الرسول: فمستحب.
قال ابن مفلح رحمه الله: "ولو سلم الغائب عن العين، من وراء جدار أو ستر: السلام عليك يا فلان، أو سلم الغائب عن البلد برسالته أو كتابه: وجبت الإجابة عند البلاغ، عندنا وعند الشافعية؛ لأن تحية الغائب كذلك.
ويستحب أن يسلم على الرسول. قيل لأحمد: إن فلانا يقرئك السلام، قال: عليك وعليه السلام. وقال في موضع آخر: وعليك وعليه السلام. وقال: وكذلك روي عن «النبي – صلى الله عليه وسلم – قال له رجل: أبي يقرئك السلام، قال: عليك وعلى أبيك السلام».
وقال الخلال: أخبرني يوسف بن أبي موسى، قيل لأبي عبد الله: إن فلانا يقرئك السلام، قال: سلم الله عليك وعليه. وهو معنى ما سبق عندنا…
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائش هذا جبريل يقرأ عليك السلام، فقالت: وعليه السلام ورحمة الله» زاد البخاري في رواية: "وبركاته". زاد أحمد: "جزاه الله خيرا من صاحب ودخيل، فنعم الصاحب ونعم الدخيل".
وفيه دليل على أنه لا يجب الرد على مبلغ السلام، وهو الرسول.
ومعنى " يقرأ عليك السلام " يسلم عليك.
قال في شرح مسلم: وفيه بعث الأجنبي السلام إلى الأجنبية الصالحة، إذا لم يخف ترتب مفسدة" انتهى من "الآداب الشرعية" (1/ 370).
والحاصل:
إذا بعث أحدهم السلام معك، إلى غير معين، أو إلى جماعة يشق عليك إبلاغهم: فإنك إن لم تصرح بتحمل أمانة السلام، والتزام تبليغها: فلا يجب عليك، ولا يلزمك شيء.
والله أعلم.
تعليق