شرب اللبن بعد حلبه دون غلي على النار، من العادات، وليس من السنن.
هل شرب اللبن دون غلي على النار سنة؟
السؤال: 540277
حظرت المتاجر والأسواق في منطقتي الحليب الخام لأسباب صحية، إلا أني يمكنني شراؤه من المزارع التي ليست بعيدة إذا لم أواجه مشكلة في ذلك، إذا لم أستطع الذهاب إلى هناك أشرب الحليب المبستر، حيث لا أواجه أي مشكلة صحية عندما أشربه، لكنه الخيار المتاح، فهل إذا شربته سأظل أتبع سُنّة شرب الحليب، حيث كان النبي يشرب الحليب الخام؟
ملخص الجواب
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أولا:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب اللبن، ويشربه بعد حلبه، خالصا تارة، ومخلوطا بالماء تارة، كما روى البخاري (3615) ومسلم (2009) في قصة الهجرة، قال أبو بكر رضي الله عنه: "فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمٍ مُقْبِلٍ بِغَنَمِهِ إِلَى الصَّخْرَةِ، يُرِيدُ مِنْهَا الَّذِي أَرَدْنَا، فَلَقِيتُهُ فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ؟ يَا غُلَامُ فَقَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، قُلْتُ: أَفِي غَنَمِكَ لَبَنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَفَتَحْلُبُ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَخَذَ شَاةً، فَقُلْتُ لَهُ: انْفُضْ الضَّرْعَ مِنَ الشَّعَرِ وَالتُّرَابِ وَالْقَذَى - قَالَ: فَرَأَيْتُ الْبَرَاءَ يَضْرِبُ بِيَدِهِ عَلَى الْأُخْرَى يَنْفُضُ - فَحَلَبَ لِي فِي قَعْبٍ مَعَهُ، كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، قَالَ: وَمَعِي إِدَاوَةٌ أَرْتَوِي فِيهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِيَشْرَبَ مِنْهَا وَيَتَوَضَّأَ، قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُ مِنْ نَوْمِهِ، فَوَافَقْتُهُ اسْتَيْقَظَ، فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ مِنَ الْمَاءِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ اشْرَبْ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ، قَالَ: فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ".
قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (4/ 216):
"وكان صلى الله عليه وسلم يشرب اللبن خالصا تارة، ومشوبا بالماء أخرى.
وفي شرب اللبن الحلو، في تلك البلاد الحارة، خالصا ومشوبا: نفع عظيم في حفظ الصحة، وترطيب البدن، ورِيّ الكبد، ولا سيما اللبن الذي ترعى دوابه الشيح والقيصوم والخزامى وما أشبهها، فإن لبنها غذاء مع الأغذية، وشراب مع الأشربة، ودواء مع الأدوية.
وفي "جامع الترمذي"، عنه صلى الله عليه وسلم إذا أكل أحدكم طعاما فليقل: اللهم بارك لنا فيه، وأطعمنا خيرا منه، وإذا سقي لبنا فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه، فإنه ليس شيء يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن قال الترمذي هذا حديث حسن" انتهى.
وقال رحمه الله: "وأجود ما يكون اللبنُ حين يُحلب، ثم لا يزال تنقص جودته على مر الساعات، فيكون حين يحلب أقل برودة، وأكثر رطوبة، والحامض بالعكس.
ويختار اللبن بعد الولادة بأربعين يوما، وأجوده ما اشتد بياضه، وطاب ريحه، ولذ طعمه، وكان فيه حلاوة يسيرة، ودسومة معتدلة، واعتدل قوامه في الرقة والغلظ، وحلب من حيوان فتي صحيح، معتدل اللحم، محمود المرعى والمشرب" انتهى من "زاد المعاد" 4/ 353).
ثانيا:
شرب اللبن بعد حَلْبه من غير غلي من العادات التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم بمقتضى جبلته البشرية، ولا يراد به التشريع، فلا يقال: إن شربه كذلك سنة، بل إن أصل شربه للبن من باب العادات، وكذلك ما أحبه أو كرهه صلى الله عليه وسلم من الأطعمة والأشربة كحبه الدباء، والحلوى والعسل، وكراهيته للضب، كل هذا من أمور العادات التي يفعلها صلى الله عليه وسلم بمقتضى الجبلّة البشرية، ولا يراد منها التشريع.
قال الدكتور محمد بن سليمان الأشقر: "ومن النوع الثاني، وهو المحبة والكراهة الطبيعيتان، ما ورد عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب الحلواء والعسل، ويحب الدبّاء، وكان أحب الشراب إليه الحلو البارد. وكان أحب الطعام إليه الثريد من الخبز، والثريد من الحيس. وكان يكره ريح الحناء. فلا قدوة في شيء من ذلك.
ومنه أنه - صلى الله عليه وسلم - ترك أكل الضبّ كراهةً له. قال: "أجدني أعافه"، فلم يقتدِ به الصحابة في ذلك، بل أكله خالد بن الوليد على مائدته صلى الله عليه وسلم" انتهى من "أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم" (1/ 222).
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: "كيف نفرق بين فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه سُنة أو أنه عادة؟
فأجاب: الأصل أن أفعاله صلى الله عليه وسلم سُنة، هذا هو الأصل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب:21]. إلا ما يعرف بالأدلة الأخرى ... أنها من الأمور العادية التي لم يأمر فيها النبي صلى الله عليه وسلم بشيء، ولم يواظب عليها، مثل: أنواع الطعام، وأنواع الملابس، وأشباه ذلك التي لا يواظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم ، يدل على أنها أمور عادية، ومثل مسألة تربية الرأس وحلقه، ومثل لبس القميص أو الإزار والرداء" انتهى من فتاوى الدروس.
وينظر: جواب السؤال رقم: (151146)، ورقم: (149523).
ثالثا:
الفعل الجبلي قد تتعلق به سنن إما في كيفياته، أو آداب عمله، ونحو ذلك؛ فلا يخرج ذلك أصله عن كونه عادة، كالتسمية قبل الشراب، والحمد والدعاء بعده، ولبس النعل اليمنى قبل اليسرى، وخلع اليسرى قبل اليمنى، وكذلك في اللباس، وما أشبه ذلك من أمور العادات، فتعلق السنن بها لا يخرجها عن كونها عادة.
والله أعلم.
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟