الحمد لله.
عدة الطلاق تبدأ من حين وقع الطلاق، ولو لم تعلمه المرأة، فإن علمت قبل انتهاء فترة العدة، فإنها تعتد ما بقي منها.
وإن علمت بعد انتهاء فترة العدة، فلا تقضيها، وذلك أنّ العدة إنما شرعت لاستبراء الرحم، ولأجل حق الزوج في الرجعة، وقد انتهى بتمام المدة، علمته أم لم تعلمه، وسواء تركت العدة عالمة بالحكم أو جاهلة، وهذا مذهب جمهور أهل العلم.
قال ابن عابدين رحمه الله:
"ومبدأ العدة: بعد الطلاق، وبعد الموت، على الفور.
وتنقضي العدة، وإن جهلت المرأة بهما، أي: بالطلاق والموت لأنها أجل، فلا يشترط العلم بمضيه، سواء اعترف بالطلاق، أو أنكر" انتهى من "حاشية ابن عابدين" (3/ 520).
وقال ابن قدامة رحمه الله:
"المشهور في المذهب، أنه متى مات زوجها أو طلقها، فعدتها من يوم موته وطلاقه.
قال أبو بكر: لا خلاف عن أبي عبد الله أعلمه: أن العدة تجب من حين الموت، والطلاق. إلا ما رواه إسحاق بن إبراهيم. وهذا قول ابن عمر، وابن عباس، وابن مسعود، ومسروق، وعطاء، وجابر بن زيد، وابن سيرين، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وطاووس، وسليمان بن يسار، وأبى قلابة، وأبى العالية، والنخعي، ونافع، ومالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وأبى عبيد، وأبى ثور، وأصحاب الرأي. …؛ لأنها لو كانت حاملا، فوضعت حملها غير عالمة بفرقة زوجها، لانقضت عدتها، فكذلك سائر أنواع العدد.
ولأنه زمان عقيب الموت أو الطلاق، فوجب أن تعتد به، كما لو كان حاضرا.
ولأنّ القصد غير معتبر في العدة، بدليل أن الصغيرة والمجنونة تنقضي عدتهما من غير قصد، ولم يعدم ههنا" انتهى من "المغني" (11/ 307).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"ومن مات زوجها الغائب، أو طلقها: اعتدت منذ الفرقة…، وإن لم تعلم إلا بعد موته بزمان، أو بعد طلاقه بزمان.
هذا هو القول الراجح، ودليله قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} [البقرة: 228]؛ وهي يصدق عليها أنها مطلقة من حين فارقها، وإذا كان يصدق عليها أنها مطلقة من حين فارقها، فعدتها منذ الفراق ثلاثة قروء.
ولقوله تعالى في المتوفى عنها زوجها: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} [البقرة: 234]؛ ومتى يذرونهن؟ من بعد الوفاة مباشرة.
وعلى هذا فتعتد المطلقة منذ طلقها زوجها.
فلو فرض أنه طلقها، ولم تعلم، وحاضت حيضتين، ثم علمت، بقي عليها حيضة واحدة. وإن علمت بعد أن حاضت ثلاث مرات فقد انتهت عدتها" "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (13/ 380).
وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (29/ 326).
"ابتداء العدة وانقضاؤها:
ذهب الحنفية إلى أن العدة تبدأ في الطلاق عَقيب الطلاق، وفي الوفاة عقيب الوفاة، لأن سبب وجوب العدة: الطلاق أو الوفاة؛ فيعتبر ابتداؤها من وقت وجود السبب. فإن لم تعلم بالطلاق أو الوفاة حتى مضت مدة العدة، فقد انقضت مدتها.
وقال الشافعية: تبدأ عدة الوفاة من حين الموت، وتبدأ عدة الأقراء من حين الطلاق لأنّ كلا منهما وقت الوجوب، ولو بلغتها وفاة زوجها، أو طلاقها، بعد مدة العدة كانت منقضية، فلا يلزمها شيء منها، لأن الصغيرة تعتد مع عدم قصدها.
وقال الحنابلة: من طلقها زوجها، أو مات عنها، وهو بعيد عنها، فعدتها من يوم الموت أو الطلاق، لا من يوم العلم، وهذا هو المشهور عند الحنابلة" انتهى باختصار
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: امرأة لم تحد بعد وفاة زوجها؛ لجهلها بذلك، فما الحكم؟
فأجاب: " ليس عليها شيء ما دامت تركت الإحداد جهلا منها؛ لقول الله تبارك وتعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ)، وقوله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)، فقال الله تعالى قد فعلت.
يا فضيلة الشيخ: وإذا علمت يا شيخ ما الحكم الآن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا علمت بعد انقضاء العدة، فليس عليها شيء.
وإن علمت في أثنائها تكمل " انتهى من "فتاوى نور على الدرب للعثيمين" (19/ 2 بترقيم الشاملة).
والله أعلم.
تعليق