الحمد لله.
أولا:
يلزم المرأة المحدّة على زوجها ترك الزينة، من خضاب، وكحل، ولبس حلي وخاتم وثياب ملونة للزينة؛ لما روى البخاري (5342)، ومسلم (938) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تُحِدُّ امْرَأَةٌ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَلَا تَكْتَحِلُ، وَلَا تَمَسُّ طِيبًا، إِلَّا إِذَا طَهُرَتْ، نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ).
قال النووي رحمه الله: "قوله صلى الله عليه وسلم (ولا تلبس ثوبا مصبوغا؛ إلا ثوب عصب) العصب وهو برود اليمن يعصب غزلها، ثم يصبغ معصوبا، ثم تنسج.
ومعنى الحديث: النهي عن جميع الثياب المصبوغة للزينة، إلا ثوب العصب.
قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أنه لا يجوز للحادة لبس الثياب المعصفرة والمصبغة، إلا ما صبغ بسواد.
فرخص بالمصبوغ بالسواد عروة بن الزبير ومالك والشافعي، وكرهه الزهري، وكره عروة العصب، وأجازه الزهري. وأجاز مالك غليظه.
والأصح عند أصحابنا: تحريمه مطلقا. وهذا الحديث حجة لمن أجازه.
قال ابن المنذر: رخص جميع العلماء في الثياب البيض.
ومنع بعض متأخري المالكية جيد البيض الذي يُتزين به، وكذلك جيد السواد.
قال أصحابنا: ويجوز كل ما صُبغ، ولا تقصد منه الزينة.
ويجوز لها لبس الحرير في الأصح. ويحرم حلي الذهب والفضة. وكذلك اللؤلؤ. وفي اللؤلؤ وجه أنه يجوز.
قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا تمس طيبا إلا إذا طهرت؛ نُبذة قُسط أو أظفار). النبذة: القطعة والشيء اليسير.
وأما القسط: فهو والأظفار نوعان معروفان من البخور، وليسا من مقصود الطيب. رخص فيه للمغتسلة من الحيض؛ لإزالة الرائحة الكريهة، تتبع به أثر الدم، لا للتطيب، والله تعالى أعلم" انتهى من "شرح مسلم" (10/118).
ثانيا:
طلاء الأظفار بالمناكير من الزينة، فلا يباح لها، وقد نصت السنة على منع الخضاب، ونص الفقهاء على منع نقش يدها. ونص بعضهم على منع طلاء الأظافر.
قال ابن قدامة رحمه الله: "الثاني: اجتناب الزينة، وذلك واجب في قول عامة أهل العلم؛ منهم ابن عمر، وابن عباس، وعطاء. وجماعة أهل العلم يكرهون ذلك، وينهون عنه.
وهو ثلاثة أقسام:
أحدها: الزينة في نفسها، فيحرم عليها أن تختضب، وأن تحمر وجهها بالكلكون، وأن تبيضه بأسفيداج العرائس، وأن تجعل عليه صبرا يصفره، وأن تنقش وجهها ويديها، وأن تحفف وجهها، وما أشبهه مما يحسنها، وأن تكتحل بالإثمد من غير ضرورة.
وذلك لما روت أم سلمة، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «المتوفى عنها زوجها، لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشق، ولا الحلي، ولا تختضب، ولا تكتحل» . رواه النسائي، وأبو داود.
وروت أم عطية، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا تحد المرأة فوق ثلاثة أيام، إلا على زوج، فإنها تحد أربعة أشهر وعشرا، ولا تلبس ثوبا مصبوغا، إلا ثوب عصب، ولا تكتحل، ولا تمس طيبا إلا عند أدنى طهرها، إذا طهرت من حيضها، بنبذة من قسط أو أظفار» . متفق عليه.
وعن أم سلمة، قالت: «جاءت امرأة إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي توفي عنها زوجها، وقد اشتكت عينها، أفتكحلها؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: لا. مرتين أو ثلاثا» متفق عليه.
وروت أم سلمة، قالت: «دخل علي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين توفي أبو سلمة، وقد جعلت على عيني صبرا، فقال: ماذا يا أم سلمة؟ قلت: إنما هو صبر، ليس فيه طيب. قال: إنه يشبّ الوجه، لا تجعليه إلا بالليل، وتنزعينه بالنهار، ولا تمتشطي بالطيب، ولا بالحناء، فإنه خضاب. قالت: قلت: بأي شيء أمتشط؟ قال: بالسدر، تغلفين به رأسك» .
ولأن الكحل من أبلغ الزينة، والزينة تدعو إليها، وتحرك الشهوة، فهي كالطيب وأبلغ منه.
وحكي عن بعض الشافعية، أن للسوداء أن تكتحل. وهو مخالف للخبر والمعنى، فإنه يزينها ويحسنها.
وإن اضطرت الحادة إلى الكحل بالإثمد للتداوي، فلها أن تكتحل ليلا، وتمسحه نهارا.
ورخص فيه عند الضرورة عطاء، والنخعي، ومالك، وأصحاب الرأي؛ لما روت أم حكيم بنت أسيد، عن أمها، أن زوجها توفي، وكانت تشتكي عينيها، فتكتحل بالجلاء، فأرسلت مولاة لها إلى أم سلمة، تسألها عن كحل الجلاء، فقالت: لا تكتحلي إلا لما لا بد منه، يشتد عليك، فتكتحلين بالليل، وتغسلينه بالنهار. رواه أبو داود، والنسائي.
وإنما منع من الكحل بالإثمد، لأنه الذي تحصل به الزينة، فأما الكحل بالتوتيا والعنزروت ونحوهما، فلا بأس به؛ لأنه لا زينة فيه، بل يقبح العين، ويزيدها مَرَهاً [مرهت العين: ابيضت حماليقها].
ولا تمنع من جعل الصبِر على غير وجهها من بدنها؛ لأنه إنما منع منه في الوجه؛ لأنه يصفره، فيشبه الخضاب، ولهذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إنه يشبّ الوجه».
ولا تمنع من التنظيف بتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق الشعر المندوب إلى حلقه، ولا من الاغتسال بالسدر، والامتشاط به، لحديث أم سلمة، ولأنه يراد للتنظيف لا للطيب" انتهى من "المغني" (8/ 156).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قوله: «والتحسين» يعني التجميل بالحناء، أو بالورد، أو بالحمرة، أو بالكحل، أو بغير ذلك.
كل ما فيه التحسين لبدنها فإنها ممنوعة منه.
وعلامة ذلك أن يقال: إذا رئيت المرأة، قيل: هذه المرأة متجملة، حتى لو كان التحسين في أظافرها، كالتي يسمونها المناكير، فما تتجمل بها" انتهى من "الشرح الممتع" (12/ 405).
والحاصل:
أن المرأة في الإحداد لا يجوز لها وضع الزينة على شيء من بدنها، ومنها طلاء الأظافر.
والله أعلم.
تعليق