أولا:
إذا وضع المال في حساب خاص لكل بنت، فهذه هبة مقبوضة، وليست وصية لما بعد الموت، ولا تدخل في التركة.
ويشترط قبول الهبة من البنات إذا كن بالغات، ولا يشترط العلم بقدر المال؛ لأن هبة المجهول جائزة على الراجح، وهو مذهب المالكية.
قال ابن رشد رحمه الله: " ولا خلاف في المذهب في جواز هبة المجهول والمعدوم المتوقع الوجود، وبالجملة كل ما لا يصح بيعه في الشرع من جهة الغرر" انتهى من "بداية المجتهد" (4/ 114).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وجاز هبة المجهول على القول الراجح؛ لأنها تبرع" انتهى من "الشرح الممتع" (9/193).
وينظر: "الموسوعة الفقهية" (31/160).
وأما الصغيرة غير البالغة: فيكفي قبض الوالد أو الوالدة لها، ولو وضع في حساب خاص بها كان زيادة في القبض.
قال في "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" (7/288): " (قوله: وهبة الأب لطفلة تتم بالعقد) لأن قبض الأب ينوب عنه ...
وأراد بالأب: من له ولاية عليه في الجملة، فشمل الأم إذا وهبت، ولا ولي له ولا وصي، وكلَّ من يعوله؛ لوجود الولاية في التأديب والتسليم في الصناعة، فدخل الأخ والعم، عند غيبة الأب غيبة منقطعة، إذا كان في عيالهم. وإذا عُلم الحكم في الهبة، علم في الصدقة بالأولى.
وقيّد بالطفل؛ لأن الهبة للولد الكبير لا تتم إلا بقبضه ولو كان في عياله، كذا في المحيط" انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله: " فإن وهب الأب لابنه شيئا، قام مقامه في القبض والقبول، إن احتيج إليه.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا وهب لولده الطفل دارا بعينها، أو عبدا بعينه، وقبضه له من نفسه، وأشهد عليه= أن الهبة تامة. هذا قول مالك، والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي. وروينا معنى ذلك عن شريح، وعمر بن عبد العزيز.
ثم إن كان الموهوب مما يفتقر إلى قبض، اكتفي بقوله: قد وهبت هذا لابني، وقبضته له؛ لأنه يغني عن القبول كما ذكرنا. ولا يغني قوله: قد قبلته. لأن القبول لا يغني عن القبض.
وإن كان مما لا يفتقر اكتفي بقوله: قد وهبت هذا لابني. ولا يحتاج إلى ذكر قبض ولا قبول.
قال ابن عبد البر: أجمع الفقهاء على أن هبة الأب لابنه الصغير في حجره لا تحتاج إلى قبض، وأن الإشهاد فيها يغني عن القبض، وإن وليها أبوه؛ لما رواه مالك، عن الزهري، عن ابن المسيب، أن عثمان قال: من نحل ولدا له صغيرا، لم يبلغ أن يحوز نحلة، فأعلن ذلك، وأشهد على نفسه، فهي جائزة".
ثم قال: " وإن كان الواهب للصبي غير الأب من أوليائه، فقال أصحابنا: لا بد من أن يوكل من يقبل للصبي، ويقبض له، ليكون الإيجاب منه، والقبول، والقبض من غيره، كما في البيع. بخلاف الأب؛ فإنه يجوز أن يُوجِب ويقبل ويقبض، لكونه يجوز أن يبيع لنفسه.
والصحيح عندي: أن الأب وغيره في هذا سواء؛ لأنه عقد يجوز أن يصدر منه ومن وكيله، فجاز له أن يتولى طرفيه، كالأب " انتهى من "المغني" (6/ 50، 51).
ثانيا:
يجب العدل في الهبة، بأن تسوي بين البنات فيما تضعين في حسابهن؛ لأن هذه هبة، وليست مصروفا أو نفقة تكون بحسب حاجة كل واحدة.
والأصل في ذلك: ما روى البخاري (2586)، ومسلم (1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا فَقَالَ: (أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ) قَالَ لَا قَالَ: (فَارْجِعْهُ). ومعنى (نحلت ابني غلاما) أي أعطيته غلاما.
ورواه البخاري (2587) عَنْ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ لَا قَالَ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ) قَالَ فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ.
وفي رواية للبخاري أيضا (2650): (لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ).
وأما النفقة التي تحتاجها كل واحدة، وتنفقينها عليها بالفعل؛ فهذه تكون بحسب حاجة، ولا شك أن نفقة الكبيرة، ليست كنفقة الصغيرة غالبا.
قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (4/ 309): " (ويجب على الأب، و) على (الأم وعلى غيرهما) من سائر الأقارب (التعديل بين من يرث بقرابة من ولد وغيره) كأب وأم وأخ وابنه وعم وابنه (في عطيتهم)؛ لحديث جابر قال: قالت امرأة بشير لبشير أعط ابني غلاما، وأشهد لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن ابنة فلان سألتني أن أنحل ابنها غلامي. قال: له إخوة؟ قال: نعم قال: كلهم أعطيت مثل ما أعطيته؟ قال: لا قال: فليس يصلح هذا وإني لا أشهد إلا على حق رواه أحمد ومسلم وأبو داود، ورواه أحمد من حديث النعمان بن بشير وقال فيه: لا تشهدني على جور؛ إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم.
وفي لفظ لمسلم اتقوا الله واعدلوا في أولادكم، فرجع أبي في تلك الصدقة وللبخاري مثله، لكن ذكره بلفظ العطية.
فأمر بالعدل بينهم، وسمى تخصيص أحدهم دون الباقين جَورا، والجور حرام، فدل على أن أمره بالعدل للوجوب، وقيس على الأولاد باقي الأقارب بجامع القرابة ...
(إلا في نفقة وكسوة، فتجب الكفاية) دون التعديل" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله منبها على الفرق بين النفقة والعطية:
" فإذا فرضنا أن أحدهم في المدارس، ويحتاج إلى نفقة للمدرسة من كتب ودفاتر وأقلام وحبر وما أشبه ذلك، والآخر لا يقرأ، وهو أكبر منه لكنه لا يحتاج، فهل إذا أعطى الأول يجب أن يعطي الثاني مثله؟
الجواب: لا يجب؛ لأن التعديل في الإنفاق يعني أن يعطي كل واحد منهم ما يحتاج إليه.
مثاله: لو احتاج الولد الذكر إلى غترة وطاقية قيمتهما مائة ريال، واحتاجت الأنثى إلى قروط في الآذان قيمتها ألف ريال، فما هو العدل؟
الجواب: العدل أن يشتري لهذا الغترة والطاقية بمائة ريال، ويشتري للأنثى القروط بألف ريال أضعاف الذكر عشر مرات، هذا هو التعديل...". انتهى من "الشرح الممتع" (4/ 599).
وهذا، كما سبق، في النفقة أو المصروف الذي تحتاجه كل واحدة بالفعل. وأما ما يدخر لهن فليس نفقة ولا مصروفا، بل هو هبة يلزم فيها العدل.
وعليه؛ فيلزمك تكميل النقص للمفضولة، أو أخذ الفاضل من المفضلة.
قال ابن قدامة رحمه الله: " فإن خص بعضهم بعطيته، أو فاضل بينهم فيها أثم، ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين: إما رد ما فَضَّل به البعض، وإما إتمام نصيب الآخر. قال طاوس: لا يجوز ذلك ولا رغيف محترق. وبه قال ابن المبارك، وروي معناه عن مجاهد وعروة " انتهى من "المغني" (5/ 387).
ثالثا:
بالاطلاع على التقرير المالي للبنوك الإسلامية في بلد السائلة، تبين أنها تضع جزءا كبيرا من الأموال في أذونات الخزانة الربوية.
وعليه؛ فلا يجوز استثمار المال فيها بوضعه في حساب توفير أو استثمار أو شهادات استثمار، وإنما يوضع المال في الحساب الجاري عند الحاجة لحفظ المال.
فإذا كنت وضعت المال في حساب توفير أو استثمار، لزمك إخراج المال من هذا الحساب، ولا يلزمك التخلص من الربح؛ لعدم علمك بالتحريم.
وينظر: جواب السؤال رقم: (342580).
والله أعلم.