أولاً:
لا يجوز في كفارة اليمين الانتقال إلى الصيام مع القدرة على الإطعام أو الكسوة أو العتق، لقوله تعالى: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ المائدة/89 .
قال ابن المنذر رحمه الله: "أجمعوا على أن الحالف الواجد للإطعام، أو الكسوة، أو الرقبة، لا يجزئه الصوم إذا حنث في يمينه " انتهى من "الإجماع" (ص/157).
وعدم علمك بالحكم لا يؤثر، لأنك تعلم أن الكفارة واجبة ، ولكنك تجهل خصالها ، كما أن الكفارات التي تركت تعلق بها حق للآخرين، وهم الفقراء الذين كنت ستطعمهم أو تكسوهم .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"إذا كان الإنسان يعلم الحكم، ولكن لا يدري ماذا يترتب عليه، فلا يعذر" انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (206/ 23 بترقيم الشاملة).
ثانياً:
الأيمان التي حلفت عليها، وكفرت عنها بالصوم إذا كانت على أمر واحد فإن الذي يلزمك كفارة واحدة، لأنك في حكم من لم يكفر.
ومن حنث في أيمان متعددة، وكان المحلوف عليه شيئا واحدا؛ فلا تلزمه إلا كفارة واحدة.
قال ابن قدامة رحمه الله: "ومن حلف أيماناً كثيرة على شيء واحد، فحنث، لم يلزمه أكثر من كفارة؛ لأنها أسباب كفارات، من جنس؛ فتداخلت، كالحدود" انتهى من "الكافي في فقه الإمام أحمد" (4/ 195).
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "كل يمين على فعل واحد، أو ترك شيء واحد، ولو تكررت، ليس فيها إلا كفارة واحدة إذا كان لم يكفر عن الأولى منهما" انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (4/ 145).
ثالثاً:
أما قولك (كلما حلفت حلفا بعدم العودة إلى هذا العمل تقول والا سأكفر بثلاثة أيام كترهيب للنفس): فظاهره أنه يمين لأنك تنص على اختيار التكفير بالصوم.
وسواء كان يمينا أو نذرا، فإن النذر أو اليمين الذي يريد صاحبه به إلزام نفسه بشيء، أو منعها عن شيء، فهو مخير فيه بين الوفاء، أو كفارة يمين واحدة وتتحلل من يمينك أو نذرك هذا.
قال زكريا الأنصاري رحمه الله:" وأما نذر اللجاج والغضب، ويقال له: يمين اللجاج والغضب ويمين الغَلق ونذر الغلق، فهو أن يمنع نفسه من شيء، أو يحثها عليه، بتعليق التزام قربة، بفعل أو ترك، كقوله: إن فعلت كذا، أو إن لم أفعل كذا، فلله عليّ كذا:
فإن التزم فيه قربة، كصوم، أو قُرَبًا، كصوم وصلاة وصدقة: تخير بين الوفاء بما نذر وبين كفارة يمين، لأنه يشبه النذر من حيث إنه التزام قربة، واليمين من حيث المنع" انتهى من "أسنى المطالب في شرح روض الطالب" (1/ 575).
وقال ابن قدامة رحمه الله: "إذا أخرج النذر مخرج اليمين، بأن يمنع نفسه أو غيره به شيئا، أو يحث به على شيء، مثل أن يقول: إن كلمت زيدا، فلله على الحج، أو صدقة مال، أو صوم سنة. فهذا يمين. حكمه: أنه مخير بين الوفاء بما حلف عليه، فلا يلزمه شيء، وبين أن يحنث، فيتخير بين فعل المنذور، وبين كفارة يمين، ويسمى نذر اللجاج والغضب، ولا يتعين عليه الوفاء به" انتهى من "المغني" (13/461).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه:" رجل قال: لله عليّ نذر إن فعلت كذا أن أصوم ثلاثة أيام، ففعل، فهل يلزمه صيام ثلاثة أيام أو كفارة يمين؟
الجواب: يخير، إن شاء صام ثلاثة أيام، وإن شاء كفر كفارة يمين، لأن هذا النذر حكمه حكم اليمين، وإذا قلنا: إن حكمه حكم اليمين، فهل الأولى أن يفعل أو الأولى أن يكفر؟ نقول: سبق أن المسألة بحسب المحلوف عليه، إن كان خيرا فالأفضل أن يفعل، وهنا في الغالب أنه خير، لأنه نذر، لكن مع ذلك لئلا نلزمه نقول: أنت مخير بين فعلك، وكفارة اليمين". انتهى من "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (15/212).
رابعا:
كفارة هذا النذر، أو هذا اليمين: ليست هي كفارة اليمين الأولى التي حلفت عليها. بل هي مختلفة عنها.
ولأنك حلفت بصيغة تقتضي التكرار؛ فإنك تحنث في يمينك الأول، إذا خالفت ما حلفت عليه. ثم تحنث في نذرك هذا، ويلزمك، زيادة على كفارة اليمين بالإطعام، أو الكسوة، أو تحرير رقبة، أو الصوم، إن عجزت عن الخصال الثلاثة = يلزمك زيادة على ذلك كفارة هذا النذر، الذي يتكرر بكل مرة تحنث في يمينك، كما أوجبته على نفسك، فتصوم ثلاثة أيام.
غير أن الصوم الذي نذرته غير متعين عليك؛ بل أنت مخير فيه بين صوم الثلاثة الأيام، على ما حلفت، وبين كفارة يمين، مثل كفارة اليمين الأولى.
وبهذا تعلم أن في كل مرة تحنث في يمينك، وتفعل ما حلفت ألا تفعله: تلزمك كفارتان؛ كفارة عن يمينك، وكفارة عن نذرك.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (240676).
والنصيحة لك يا عبد الله: أن تدع كثرة الحلف، فإنها صفة ذميمة، وأن تكبح جماح نفسك؛ فما كان معصية، تركته لله جل جلاله، وتعظيمه لمقامه، وخوفا من عقابه.
والله أعلم.