الجمعة 18 ذو القعدة 1446 - 16 مايو 2025
العربية

ما حكم قول: (لا جزاك الله خيرا) دون فصل بينهما؟

561157

تاريخ النشر : 29-04-2025

المشاهدات : 738

السؤال

أحيانا مثلاً يريد أن يعطيني شخص شيئا، فأرد عليه قائلاً: لا جزاك الله خيرا، بلهجتنا بمعنى: لا أريد، وأشكره بعدها بجزاك الله خيرا، فيرد علي، ويقول: لا تقل: لا جزاك الله خيرا، لأنك هكذا تدعوا عليّ، وقل: لا وجزاك الله خيرا، فتفهمت مقصده، ولكن تكرر هذا الموقف كثيرا، وبدأ ينزعج، وكأني أقول شيئاً حراماً، ويقول: هذا لا يجوز، فأرد عليه قائلاً: يا أخي لماذا أدعو عليك بالعقل؛ أنا أحبك، ولا أدعو عليك، ولكنها عادة في لساننا، وقصدنا خير، وأنا لم أقل لا جزاك الله خيرا بمعنى أنني لا أريد أن يجزيك الله خيرا، ولكن نيتي وقلبي يقول لا بمعنى أنني لا أريد الشيء الذي تقدمه لي، وبعدها أدعو الله لك أن يجزيك خيرا، وبدأت أسأل نفسي: هل أنا ارتكب معصية عندما أقول: لا جزاك الله خيرا، مع أني والله ما قصدي الدعاء عليه، و(لا) هذه من لهجتنا فقط، وأنا شرحت له ذلك.
فهل هناك حكم شرعي أنني يجب بعد (لا) أن أضيف حرف الواو، وأقول وجزاك الله خيراً؟
أم أن هذا الشخص أعطى الموضوع أكبر من حقه، وأيضاً هل كما يقول: إني إذا قلت لا جزاك الله خيرا متواصلة هل معناها أني دعوت عليه؟
أليس الله يعلم ما في قلبي، ويعلم إنني أدعو له لا عليه؟ وسألت نفسي مثلا إذا أتى شخص ـ مثلاـ وطلب منك خدمة محرمة، فأقول له: لا، استغفر الله، بمعنى لا لن أفعل، وبعدها استغفر ربي، فإذا ربط الكلمتين مع بعض، هل معنى ذلك أني أقول إنني لا أريد أن استغفر؟ أو أنني أنكر الاستغفار؛ لأني قلت: لا استغفر الله، أم إن الله رب القلوب ويعلم ما في قلوبنا؟
ملخص سؤالي: هل إذا قلت لا جزاك الله خيرا هكذا لا يجوز؟ ويجب وجوبا أن أقول لا وجزاك الله خيرا؟ وما الدليل على ذلك هل فيه حديث أو آية؟

ملخص الجواب

الفصل بين حرف النفي (لا)، والجملة بعدها بفاصل لفظي هو من باب الظَّرْف ومحاسن الأدب، فإن لم يفعل، فلا بأس به متى دلت القرينة الحالية على مراده.

الجواب

الحمد لله.

كره بعض السلف أن يقول الرجل: لا , بحمد الله..

قال ابن أبي شيبة في مصنفه (5/ 240): "من كره أن يقول: لا , بحمد الله .. ثم ذكر بسنده عن عمرو بن ميمون: " أنه كره: لا بحمد الله ".. وروى بسنده عن إبراهيم، قال: " يكره أن يقول الرجل: لا بحمد الله، ولكن قولوا: نعم , نحمد الله ". انتهى. وروى أثر إبراهيم النخعي عبد الرزاق الصنعاني في "مصنفه" (7/ 245).

والمشهور: أن ذلك جائز لا حرج فيه، وإنما الفصل بين حرف النفي (لا)، والجملة بعدها بفاصل لفظي -الواو، عادة-: هو من باب الظَّرْف ومحاسن الأدب، والفطنة؛ وإلا، فالقرينة الحالية والسياقية كافيه في بيان مراد القائل، ودالة عليه، وهي مغنية عن "التزام" الفصل اللفظي.

على أنه كثيرا ما يحصل الفصل بينهما بنفَس يسير. وأدنى ما يكون من ذلك تغيير طريقة النطق، وموضع النبر، بما يشير إلى مراد المتكلم؛ مع أن القرينة الحالية كافية في ذلك، إن شاء الله.

وفي "صحيح مسلم" (2504) : "عَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ، أَتَى عَلَى سَلْمَانَ، وَصُهَيْبٍ، وَبِلَالٍ فِي نَفَرٍ، فَقَالُوا: وَاللهِ مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللهِ مَأْخَذَهَا، قَالَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ؟، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ، لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ، لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ، فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا إِخْوَتَاهْ أَغْضَبْتُكُمْ؟ قَالُوا: لَا يَغْفِرُ اللهُ لَكَ يَا أَخِي". الشاهد "لَا يَغْفِرُ اللهُ لَكَ يَا أَخِي".

ولما في الصحيحين واللفظ لمسلم (1720) في قصة سليمان عليه السلام :  فَقَالَ: ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَكُمَا، فَقَالَتِ الصُّغْرَى: لَا يَرْحَمُكَ اللهُ، هُوَ ابْنُهَا... ولفظ البخاري (3427): "لاَ تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ".

قال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (1/ 99):

"في هذا الحديث فائدة حسنة، وهي اتصال كلمة (لا)، جواباً في النهي، مع الدعاء، كما تقول للرجل: كان في كذا في أمر لم يكن. فيقول له صاحبه: لا. يرحمك الله؛ أي لم يكن ذلك، ثم يبتديء به الدعاء فيقول: رحمك الله.

والعامة: تكرهه؛ فإن قالته، زادت (الواو)، فتقول، لا ويرحمك الله" انتهى.

ومراعاة قصد المتكلم هنا متعيّن، فإن المتكلم يقصد الدعاء للشخص الذي يخاطبه ، ولا يقصد الدعاء عليه .

قال ابن القيم رحمه الله : "قاعدة الشريعة التي لا يجوز هدمها: أن المقاصد والاعتقادات معتبرة في التصرفات والعبارات، كما هي معتبرة في التقربات والعبادات" انتهى من "إعلام الموقعين" (3/79).

وقد ذكر العلماء أنه ينبغي لمن قال ذلك أن يقف بعد (لا)، ويسكت سكتة لطيفة، ثم يقول (جزاك الله خيرا). أو يزيد الواو ، فيقول : لا، وجزاك الله خيراً.

قال القاضي عياض رحمه الله: "وقول أبى بكر لسلمان وأصحابه: " يا إخوتاه، أغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخي"، كذا جاء في هذا الحديث، وقد روي عن أبى بكر أنه نهى عن مثل هذا، وقال: قل: عافاك الله، رحمك الله، لا. يريد: ألا تقدم " لا " قبل الدعاء، لاقتضائها نفيه فى الظاهر، ولأنه قد يكون مثل هذا ذريعة للمجَّان (أي: الفسقة، قليلي الحياء) وغيرهم من قصدهم هذا في صورة الدعاء.

وقد قال بعضهم: قل: لا، ويغفر الله لك، فيزول الإيهام والاحتمال". انتهى من "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (7/549).

وفي "شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن" (12/ 3934):

"قوله: (لا): يجب أن يوقف عليه، ويستأنف من قوله: (يغفر الله لك) ولو زاد (واو) كما في جواب اليزيدي عن سؤال المأمون: لا وجعلني الله فداءك لحسن موقعه" انتهى.

وينظر للفائدة: "معجم المناهي اللفظية"، للشيخ بكر أبو زيد رحمه الله (676).

والحاصل:

أنه لا حرج على من قال لصاحبه: (لا. يرحمك الله)، وإن كان الأحسن في الأدب أن يفصل بينهما بواو. فإن لم يفعل، ميز بينهما بسكتة لطيفة. ومتى دلت القرينة الحالية على مراده، فلا بأس به، إن شاء الله.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب