الحمد لله.
الاعتكاف: لزوم المسجد طاعة لله تعالى.
ولهذا كان الخروج من المسجد منافيا له، إلا إن خرج لما لابد منه، كقضاء الحاجة، والأكل إذا لم يوجد من يحضره له.
واختلف الفقهاء فيمن خرج من المسجد ناسيا، فذهب الحنفية إلى فساد اعتكافه، وذهب الشافعية والحنابلة إلى عدم فساده.
قال في "مجمع الأنهر" (1/ 257): " (فإن خرج) من المسجد ولو ناسيا (ساعة بلا عذر فسد) اعتكافه عند الإمام لوجود المنافي، ولو قليلا وهو القياس" انتهى.
وينظر: "الفتاوى الهندية" (1/ 212)، "حاشية ابن عابدين على الدر المختار" (2/ 447).
وقال الشيرازي الشافعي في "المهذب" (1/ 355): " وإن خرج من المسجد ناسياً لم يبطل اعتكافه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، ولأنه لو أكل في الصوم ناسياً لم يبطل، فكذلك إذا خرج من الاعتكاف ناسياً لم يبطل" انتهى.
وقال البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 358): " (وإن خرج) المعتكف (من المسجد ناسيا: لم يبطل) اعتكافه لحديث: عفي لأمتي عن الخطإ والنسيان وما استكرهوا عليه.
(ويبني) على اعتكافه (إذا زال العذر في الكل) أي: كل ما تقدم أن الاعتكاف لا يبطل فيه.
(فإن أخر الرجوع إليه)، أي إلى الاعتكاف (مع إمكانه: بطل ما مضى)، كما لو خرج لما له منه بد" انتهى. وينظر أيضا: "الإنصاف" للمرداوي (7/608)، "معونة أولي النهى" (3/453).
وقد ذهب ابن عقيل الحنبلي إلى ما ذهب إليه الحنفية، وعلل الفساد بالمنافاة، وبالقياس على ترك النية في الصوم.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/ 196): " وإن خرج ناسيا، فقال القاضي: لا يفسد اعتكافه؛ لأنه فعل المنهي عنه ناسيا، فلم تفسد العبادة، كالأكل في الصوم.
وقال ابن عقيل: يفسد؛ لأنه تركٌ للاعتكاف، وهو لزوم للمسجد، وتركُ الشيء: عمدُه وسهوُه سواء؛ كترك النية في الصوم" انتهى.
والأقرب ما ذهب إليه الشافعية، والحنابلة -في معتمد المهذب- من عدم فساد الاعتكاف بالخروج من المسجد ناسيًا؛ لأن العبادة لا تفسد بفعل المنهي عنه نسيانا، كما دل على ذلك الحديث.
واختار ذلك أيضا: بعض المصنفين من الحنفية. قال ابن أبي العز الحنفي، رحمه الله، في تعليقه على قول صاحب الهداية: قوله: (فإن جامع ليلًا أو نهارًا عامدًا أو ناسيًا بطل اعتكافه).
"في بطلانه الاعتكاف بالجماع ناسيًا نظر؛ فإن عدم إبطال اعتكافه أولى من عدم إبطال الصوم، لأن الكف عنه ركن الصوم، ومحظور الاعتكاف، فإذا لم يؤثر في الركن؛ فالمحظور أولى. فإن قيل: حالة المعتكف مذكرة فلم يعذر لكونه في المسجد، قيل: خرج من المسجد فدخل منزله لحاجة الإنسان فنسي فواقع أهله، فليس معه وهو منزله حالة مذكرة.
قال السروجي: وعن ابن سماعة أنه ذكر عن بعض أصحابنا: أن جماع الناسي لا يبطل الاعتكاف؛ لأنه فرع الصوم. انتهى. وعند الشافعي إن كان ناسياً لاعتكافه أو جاهلاً لتحريمه لم يبطل". "التنبيه على مشكلات الهداية" (2/976-977).
والله أعلم
تعليق