هل يأثم إذا لم يتدبر القرآن في الصلاة؟

السؤال: 574857

ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الإنصات لقراءة القرآن مستحب في غير الصلاة، وأنه واجب في الصلاة على الجملة، فهل يعني أنه إذا لم يتدبر للقراءة يأثم، وإذا كان يأثم فهل يأثم في الفاتحة فقط، أم حتى السور التي بعد الفاتحة؟
أريد جوابا لهذا الموضوع في الحالتين للمأموم والمنفرد، والسنن الرواتب مع النافلة والفريضة؟

ملخص الجواب

 الإنصات للقرآن واجب في الصلاة، والتدبر قدر زائد على الإنصات، وفي وجوبه تفصيل.

موضوعات ذات صلة

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولا:

قوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف/204=

المراد بذلك في الصلاة لا خارجها.

قال ابن قدامة رحمه الله: "وقال أحمد: فالناس على أن هذا في الصلاة. قال سعيد بن المسيب، والحسن، وإبراهيم، ومحمد بن كعب، والزهري: إنها نزلت في شأن الصلاة. وقال زيد بن أسلم، وأبو العالية: كانوا يقرءون خلف الإمام، فنزلت: وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون [الأعراف: 204].

وقال أحمد، في رواية أبي داود: أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة" انتهى من "المغني" (1/ 404).

فلا يجب الإنصات للتلاوة خارج الصلاة.

وينظر: جواب السؤال رقم: (88728).

ثانيا:

الإنصات الواجب في الصلاة، يعني السكوت للاستماع، وعدم الكلام.

قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (7/ 354): "والإنصات: السكوت للاستماع، والإصغاء، والمراعاة. أنصتَ يُنصِت إنصاتا، ونَصَتَ أيضا، قال الشاعر:

قال الإمام عليكم أمرَ سيدكم ... فلم نخالف، وأنصتْنا، كما قالا

ويقال: أنصتوه وأنصتوا له، قال الشاعر:

إذا قالت حذام فأنصتوها ... فإن القول ما قالت حذام" انتهى.

وقال رحمه الله: "حسنُ الاستماع كما يجب: قد مدح الله عليه فقال: "الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله" [الزمر: 18]. وذم على خلاف هذا الوصف فقال: "نحن أعلم بما يستمعون به" الآية.

فمدح المنصت لاستماع كلامه، مع حضور العقل، وأمر عباده بذلك أدبا لهم، فقال: "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون" [الأعراف: 204].

وقال ها هنا: "فاستمع لما يوحى" لأن بذلك يُنال الفهم عن الله تعالى.

روي عن وهب بن منبه أنه قال: من أدب الاستماع: سكون الجوارح، وغض البصر، والإصغاء بالسمع، وحضور العقل، والعزم على العمل، وذلك هو الاستماع كما يحب الله تعالى، وهو أن يكف العبد جوارحه، ولا يشغلها، فيشتغل قلبه عما يسمع، ويغض طرفه، فلا يلهو قلبه بما يرى، ويُحضر عقلَه، فلا يحدث نفسه بشيء سوى ما يستمع إليه، ويعزم على أن يفهم، فيعمل بما يفهم.

وقال سفيان بن عيينة: أول العلم الاستماع، ثم الفهم، ثم الحفظ، ثم العمل ثم النشر، فإذا استمع العبد إلى كتاب الله تعالى، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، بنية صادقة على ما يحب الله= أفهمه كما يحب، وجعل له في قلبه نورا" انتهى من "تفسير القرطبي" (11/ 176).

والإنصات في الصلاة: محله إذا كان الإنسان مأموما، فينصتُ لقراءة إمامه، سواء كانت الصلاة فرضا كالصبح والمغرب، أو نافلة كصلاة التراويح.

ويستثنى من هذا الإنصات: قراءة المأموم للفاتحة في الصلاة الجهرية؛ لعموم قوله: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "فإن قال قائل: يوجد دليل يخصص هذا العموم، وهو قوله تعالى: وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون [الأعراف]. قال الإمام أحمد: أجمعوا على أن هذا في الصلاة؟.

فالجواب: أن هذه الآية عامة، تشمل الإنصات في كل من يقرأ عنده القرآن، وتُخصص بالفاتحة، فإنه لا يسكت إذا قرأ إمامُُه.

ويدل لهذا ما رواه أهل السنن من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة، فالتبست عليه القراءة، فلما انصرف؛ أقبل علينا بوجهه وقال: هل تقرؤون إذا جهرتُ بالقراءة؟ فقال بعضنا: إنا نصنع ذلك.

قال: فلا؛ وأنا أقول: ما لي ينازعني القرآن، فلا تقرؤوا بشيء من القرآن إذا جهرت؛ إلا بأم القرآن.

وهذا نص في محل النزاع؛ فيكون فاصلا بين المتنازعين؛ لأنه جاء في صلاة جهرية فيؤخذ به.

وأما قول الإمام أحمد رحمه الله: أجمعوا على أنها في الصلاة: فالظاهر لي -والله أعلم- أن مراده رحمه الله: لو قرأ قارئ ليس إماما لي، فإنه لا يجب علي الاستماع له، بل لي أن أقوم وأنصرف، أو أشتغل بما أنا مشتغل به.

مثال ذلك: رجل يصلي إلى جنبك في الصف، وهو يقرأ القرآن، لا يلزمك أن تنصت له، فلك أن تتشاغل بغير الاستماع لقراءته، أو أن تقوم وتنصرف، بخلاف الذي في الصلاة؛ فإنه مأمور بالإنصات تبعا لإمامه" انتهى من "الشرح الممتع" (3/ 297).

ثالثا:

أما التدبر فهو قدر زائد على الإنصات، وقد جاءت الدعوة إليه في آيات أخر، كما جاء ذم تاركيه، وهو متفاوت بين الناس.

قال تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) ص/ 29.

وقال تعالى: ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) محمد/24.

قال ابن القيم: " والمقصود: تفاوت الناس في مراتب الفهم في النصوص، وأن منهم من يفهم من الآية حكمًا أو حكمين، ومنهم من يفهم منها عشرة أحكام أو أكثر من ذلك، ومنهم من يقتصر فهمُه على مجرد اللفظ؛ دون سياقه، ودون إيمائِه وإشارته وتنبيهِه واعتباره.

وأخص من هذا وألطف: ضمه إلى نص آخر متعلق به؛ فيَفهم من اقترانه به قدرًا زائدًا على ذلك اللفظ بمفرده، وهذا باب عجيب من فهم القرآن، لا يَنْتبه له إلا النادر من أهل العلم، فإن الذهن قد لا يشعر بارتباط هذا بهذا، وتعلقه به"، انتهى من " أعلام الموقعين"(3/126)..

ووجوب التدبر فيه تفصيل سبق بيانه في جواب السؤال رقم: (312089).

والمقصود: أن التدبر أمر زائد على وجوب الإنصات وعدم الكلام، فقد ينصت الإنسان ولا يتدبر، وأن حكم التدبر يستفاد من أدلة أخرى؛ لا من خصوص هذه الآية.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android