أولاً:
نسأل الله أن يعظم أجركم في وفاة ابنتكم، وأن يخلف عليكم خيرا، وأن يجعلها فرطا وشافعة لكم.
وما ذكرت من غرق ابنتك يحتاج إلى تفصيل ليعلم من المتسبب أو المفرط في حفظها، ولا يكفي ما ذكر في السؤال لبيان الحال، أو ذكر الحكم فيها.
ولهذا ينبغي، لمعرفة من يكون عليه قرار الضمان، أو من تلزمه الكفارة: أن تعرضوا الواقعة على بعض أهل العلم عندكم، أو قاض شرعي يسمع منكم.
وبالجملة: فإن مدار الضمان في القتل الخطأ على التسبب أو التفريط.
فإذا كنتِ أوكلتِ حفظ الطفلة للخادمة، وتسببتْ في غرقها أو فرطت في حفظها، بأن اقتربت بها من المسبح ثم غفلت عنها، فسقطت الطفلة في المسبح، أو كانت معها في الماء، وانشغلت عنها بالجوال ولو لوقت قصير فغرقت، فإن هذا يعتبر من القتل الخطأ.
وإذا لم توكلي إليها حفظ الطفلة عند المسبح، وكانت الطفلة معك أنتِ، فانشغلتِ عنها، مع قربها من المسبح، فالتفريط منك، وتلزمك الكفارة، والدية على عاقلتك؛ إلا أن يعفو ورثة الطفلة عن الدية.
ثانياً:
إن كانت الخادمة هي المفرطة، فعليها الكفارة، وهي عتق رقبة من مال القاتل، فإن لم تجد مالاً أو عدمت الرقبة، فصيام شهرين متتابعين.
لقول الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا النساء/92.
وعليها الدية، تكون على عاقلتها.
ولو كانت الخادمة غير مسلمة ، فالدية على عاقلتها، كذلك، عند الجمهور.
وينظر: "شرح منتهى الإرادات" (3/ 325)، "الموسوعة الفقهية" (2/ 311).
فإن لم يكن للخادمة عاقلة، أو رفضت أن تدفع عنها الدية، وجبت الدية في مالها.
قال في "كشاف القناع" (6/ 60): " (ومن لا عاقلة له، أو له) عاقلة، (وعجزت عن الجميع: فالدية) إن عجزوا عن الكل، (أو باقيها) إن أدوا البعض وعجزوا عن الباقي: (عليه) أي الجاني (إن كان ذميا)؛ لأن بيت المال لا يعقل عنه" انتهى.
وإن وجدت جهة متكفلة بالديات كالتأمين، أخذت الدية منها.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته السادسة عشرة رقم: 145(3/16) بشأن العاقلة وتطبيقاتها المعاصرة في تحمل الدية....
"ثالثًا: التطبيقات المعاصرة:
عند عدم وجود العشيرة أو العصبة التي تتحمل الديـة، فإنه يجوز أن ينوب عنها عند الحاجة، بناء على أن الأساس للعاقلة هو التناصر والتضامن، ما يلي:
(أ) التأمين الإسلامي (التعاوني أو التكافلي) الذي ينص نظامه على تحمل الديات بين المستأمنين.
(ب) النقابات والاتحادات التي تقام بين أصحاب المهنة الواحدة، وذلك إذا تضمن نظامها الأساسي تحقيق التعاون في تحمل المغارم.
(ج) الصناديق الخاصة، التي يكونها العاملون بالجهات الحكومية والعامة والخاصة لتحقيق التكافل والتعاون بينهم" انتهى.
ثالثا:
إذا لم تكن الخادمة مسلمة: فليس عليها كفارة على القول الراجح؛ لأن الكفارة عبادة لا تُقبل منها.
قال الدكتور عبد العزيز بن مبروك الأحمدي: " اختلف الفقهاء في وجوب الكفارة على المعاهد- ذمياً كان أو مستأمناً - إذا قتل مسلماً أو معاهداً آخر خطأ، إلى قولين:
القول الأول: لا تجب الكفارة على الذمي والمستأمن، وهو قول فقهاء الحنفية والمالكية.
القول الثاني: تجب الكفارة على الذمي والمستأمن، وتكون في مالهما، بعتق رقبة مؤمنة.
وأما كفارة الصيام فلا يرون وجوبها لأن الصيام عبادة لا تصح من الكافر. وهو قول فقهاء الشافعية والحنابلة، ووافقهم الظاهرية في وجوبها على الذمي، إلا أنهم أجلوا ذلك إلى حين الإسلام، لعدم قدرة الذمي على العتق وكذلك الصيام.
والذي يظهر من أقوال الفقهاء: أنّ الكفارة لا تجب على غير المسلم، مستأمناً كان أو غيره، لأن الكفارة فيها معنى العبادة؛ لأن فيها صياماً، وغير المسلم ليس من أهل العبادة" انتهى ملخصا من "اختلاف الدارين وآثاره في أحكام الشريعة الإسلامية" رسالة دكتوراه لعبد العزيز بن مبروك الأحمدي، الجامعة الإسلامية (2/ 91).
والله أعلم.