الحمد لله.
أولاً :
الكحول من المواد المسكرة ، وكل مسكر خمر ، والخمر حرام ، ويتعلق بالكحول هنا أمران : الأول : هل هو نجس أم لا ؟ والثاني : هل يؤثر في خلطه بغيره من الأدوية والأغذية ؟
أما الأمر الأول : فقد ذهب جمهور العلماء إلى نجاسة الخمر نجاسة حسيَّة ، والصحيح : أنها ليست كذلك ، وأن نجاستها نجاسة معنوية .
وأما الأمر الثاني : فالكحول إذا خُلط بغيره من الأدوية والأغذية فإما أن يكون تأثيره واضحاً وإما أن لا يكون ، فإن كان تأثيره واضحاً : حرم الخلط ، وحرم استعمال تلك الأغذية والأدوية أكلاً أو شرباً .
وإن لم يكن للكحول تأثيرٌ في تلك الأغذية والأدوية جاز استعمالها أكلاً وشرباً ، وهناك فرق بين تناول الكحول مباشرة وبين خلطه بغيره ، فإن تناولَه المرءُ وحده لم يجز حتى لو قلَّت كميته ، وإن خُلط بغيره : فعلى ما سبق تفصيله .
وهذه فتوى للشيخ محمد بن صالح العثيمين في تفصيل هذه المسألة :
قال رحمه الله : “الكحول مادة مسكرة كما هو معروف فتكون خمراً ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (كل مسكر حرام) ، وفي رواية : (كل مسكر خمر) ، وعلى هذا فإذا خالطت هذه الكحول شيئاً ولم تضمحل بما خالطته : صار هذا الشيء حراماً ؛ لأن هذا الخليط أثَّر فيه ، أما إذا انغمرت هذه الكحول بما خالطته ولم يظهر لها أثر : فإنه لا يحرم بذلك ؛ لأن أهل العلم رحمهم الله أجمعوا على أن الماء إذا خالطته نجاسة لم تغيره فإنه يكون طهوراً ، والنسبة بين الكحول وبين ما خالطه قد تكون كبيرة وقد تكون صغيرة ، بمعنى أن هذه الكحول قد تكون قوية فيكون اليسير منها مؤثراً في المخالط ، وقد تكون ضعيفة فيكون الكثير منها غير مؤثر ، والمدار كله على التأثير .
ثم هاهنا مسألتان :
الأولى : هل الخمر نجس نجاسة حسيَّة ؟ أي : أنه يجب التنزه منه وغسل الثياب إذا أصابها وغسل البدن إذا أصابه وغسل الأواني إذا أصابها أو لا؟ جمهور العلماء على أن الخمر نجس نجاسة حسيَّة وأنه يجب غسل ما أصابه من بدن أو ثياب أو أوانٍ أو فرش أو غيرها كما يجب غسل البول والعذرة ، واستدلوا لذلك بقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) ، والرجس هو النجس بدليل قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) أي : نجس ، واستدلوا أيضاً بحديث أبي ثعلبة الخشني حيث سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأكل بآنية الكفار فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تأكلوا فيها ، إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها) ، وقد ورد في تعليل النهي عن الأكل فيها أنهم كانوا يضعون فيها الخمر ولحم الخنزير وما أشبه ذلك .
ولكن القول الثاني في المسألة أن الخمر ليس نجساً نجاسة حسيَّة ، واستدل لهذا القول بأن الأصل في الأشياء الطهارة ، وأنه لا يلزم من تحريم الشيء أن يكون نجساً ، فالسم حرام بلا شك ومع ذلك ليس بنجس ، وقالوا : إن القاعدة الشرعية “أن كل نجس حرام ، وليس كل حرام نجساً” ، وعلى هذا : فيبقى الخمر حراماً وليس بنجس حتى تقوم الأدلة على نجاسته ، واستدلوا أيضاً بأن الخمر حين حرمت أراقها المسلمون في الأسواق ولم يغسلوا الأواني منها ، وإراقتها في الأسواق دليل على عدم نجاستها ؛ لأنه لا يحل لإنسان أن يريق النجس في أسواق المسلمين ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (اتقوا اللاعنين ، قالوا : يا رسول الله ، وما اللاعنان؟ قال : الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم) ؛ ولأنهم لم يغسلوا الأواني منها ، ولو كانت نجسة لوجب غسل الأواني منها ، واستدل لهذا القول أيضاً بما ثبت في صحيح مسلم (أن رجل أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رواية خمر فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنها حرمت ، فتكلم أحد الصحابة مع صاحب الرواية سرّاً – أي : أسرَّ إليه حديثاً – فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : بما ساررته ، قال : قلت : بعها ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعها ، وقال : إن الله إذا حرَّم شيئاً حرَّم ثمنه) – هذا الحديث أو معناه – ثم فتح الرجل فم الرواية وأراق الخمر بحضرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الرواية ولو كان الخمر نجساً لأخبره صلى الله عليه وسلم بنجاسة الراوية وأمره بغسلها .
وأما ما استدل به القائلون بالنجاسة الحسية في قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) فإن الله تعالى قيد هذا الرجس بأنه رجس عملي قال : (رجس مِنْ عمل الشيطان) وليس رجساً عينيّاً بدليل أن الميسر والأنصاب والأزلام ليست نجاستها نجاسة حسيَّة ، والخبر عن نجاستها ونجاسة الخمر خبر واحد لعامل واحد : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) ومثل هذا لا يجوز أن تفرق الدلالة فيه على وجهين مختلفين إلا بدليل يعين ذلك .
وأما حديث أبي ثعلبة الخشني فليس الأمر بغسلها من أجل نجاستها ، لاحتمال أن يكون الأمر بغسلها من أجل الابتعاد التام والانفصال التام عن استعمال أواني الكفار الذي يجر إلى مماستهم والقرب منهم وليس للنجاسة ؛ لأن المعروف أن النجاسة لا تثبت بالاحتمال .
على كل حال : هذا هو الأمر الأول مما يتعين البحث فيه في جواب هذا السؤال عن الكحول وإذا تبين أن الخمر ليست نجسة نجاسة حسيَّة صارت هذه الكحول ليست نجسة نجاسة حسية فتبقى على طهارتها .
أما الأمر الثاني : فإذا تعيَّن أن في هذه الأطياب كحولاً ومؤثراً لكونه كثيراً ، فهل يجوز استعماله في غير الشرب ؟ جواب ذلك أن يقال : إن قول الله تعالى : (فَاجْتَنِبُوهُ) عام في جميع وجوه الاستعمال أي : أننا نجتنبه أكلاً وشرباً ودهناً وغير ذلك ، هذا هو الأحوط بلا شك ، لكنه لا يتعين في غير الشرب ؛ لأن الله تعالى علل الأمر بالاجتناب بقوله : (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) ، وهذا لا يتأتى في غير الشرب ، وعلى هذا : فالورع اجتناب التطيب بهذه الأطياب والجزم بالتحريم لا يمكن …” انتهى .
” فتاوى نور على الدرب ” ( النساء ) بواسطة موقعه .
ثالثاً :
وأما حكم مواد التجميل فيمكن معرفته بالاطلاع على أجوبة الأسئلة : (20226) و (26799) و (26861) .
والله أعلم
تعليق