ما حكم الاشتراكات الشهرية للحصول على خدمة يتفاوت قدر استخدامها؟

السؤال: 600595

هل يجوز الاشتراك في خدمة سنوية مقدارها (200 ريال تقريبًا) تتيح للمشترك الشحن المجاني لجميع الطلبات طوال العام، مع العلم أن سعر الشحن للطلب الواحد عادةً يبلغ (120 ريالًا تقريبًا)؟ وهل يدخل ذلك في الغرر أو القمار؟
وكذلك: هل يجوز الاشتراك في تطبيقات التوصيل أو المتاجر الإلكترونية التي تقدم مزايا مثل التوصيل المجاني للمشتركين؟

ملخص الجواب

يجوز الاشتراك في خدمات الشحن أو التوصيل المدفوعة؛ لأنها عقد إجارة على منفعة معلومة المدة، لا غرر فيها ولا ميسر.

موضوعات ذات صلة

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولا:

الاشتراكات السنوية أو الشهرية التي يدفع فيها المشترك مبلغًا محددًا مقابل الحصول على خدمة معلومة المدة والماهية، كخدمة الشحن أو التوصيل المجاني، هي من العقود الجائزة شرعًا، إذا كانت الخدمة المقدَّمة مباحة في أصلها.

والأصل في المعاملات الإباحة لقوله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ، وقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة: 1].

وهذا الاشتراك هو في حقيقته عقد إجارة على منفعة موصوفة في الذمة، وهي تمكين المشترك من الاستفادة من خدمة الشحن أو التوصيل خلال مدة معينة.

ثانيا:

لا يقال ههنا: إن هذه المعاملة فيها جهالة وغرر، لعدم معرفة عدد مرات الشحن أو التوصيل، أو قدر الخدمة المقدمة، وذلك من وجوه:

الأول:

أن التعاقد بين الطرفين إنما هو على "التمكين من هذه الخدمة خلال فترة زمنية محددة" وليس على عدد معيَّن من الخدمات.

فالأجرة هنا مقابل التمكين من الخدمة لا مقابل عدد الطلبات أو مرات الاستخدام.

وبموجب هذا العقد يستحق الطرف الثاني الاستفادة من هذه الخدمة كما يشاء خلال المدة الزمنية المحددة.

الثاني:

أن القرار في قدر الاستفادة من هذه الخدمة يرجع للعميل حسب حاجته ورغبته، ومقدم الخدمة مهمته تمكينه منها متى شاء في الوقت المتفق عليه.

بخلاف عقود الغرر المحرمة كالقمار والتأمين التجاري، التي يجهل فيها كل طرف تحقق النفع من عدمه.

الثالث:

أن الغرر في مثل هذه التعاملات غررٌ يسيرٌ مغتفرٌ، ولو قيل إنه ليس يسيرا فهو مما يتسامح فيه الناس عادةً؛ لأن في هذا التعاقد مصلحة لكلا الطرفين.

قال القرافي: "الغرر والجهالة كما يؤخذ مما مر ثلاثة أقسام: أحدها ما لا يحصل معه المعقود عليه أصلا، والثاني: ما يحصل معه ذلك دنيًّا ونزرًا، والثالث: ما يحصل معه غالب المعقود عليه، فيجتنب الأولان، ويغتفر الثالث.

وقسم أبو الوليد الغرر إلى ثلاثة أقسام: كثير، وقليل، ووسط، وجعل الكثير عبارة عن القسمين الأولين في هذا التقسيم". انتهى من "الفروق" (1/ 170).

وقال ابن رشد: "وبالجملة فالفقهاء متفقون على أن ‌الغرر ‌الكثير في المبيعات لا يجوز، وأن القليل يجوز، ويختلفون في أشياء من أنواع الغرر، فبعضهم يلحقها ‌بالغرر ‌الكثير، وبعضهم يلحقها بالغرر القليل المباح لترددها بين القليل والكثير". انتهى من "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" (3/ 173).

وينظر جواب السؤال (91480)

الرابع:

أن الشرع لم يمنع من كل عقد فيه جهالة، بل الممنوع الجهالة الفاحشة أو الكثيرة التي تفضي للنزاع بحسب العادة، أما ما تعارف الناس عليه ولم يفض للخلاف عادة، فهو من قبيل الجهالة اليسيرة التي لا تؤثر.

والجهالة بقدر استخدام هذه الخدمة لا يضر؛ لأنها جهالة لا تفضي إلى النزاع عادة، فيندر أن يحصل نزاع بين أطراف هذه الخدمات التي يشترك فيها، وإن حصل فهو نادر، والنادر لا حكم له.

قال السرخسي: "فساد العقد بسبب ‌جهالة المعقود عليه ليس لعين الجهالة، بل لأنها تفضي إلى منازعة". انتهى من "أصول السرخسي" (2/ 208)

الخامس:

هذا النوع من التعامل له نظائر معروفة في الفقه أقرها العلماء، منها:

* دخول الحمامات العامة بأجرة مع الجهالة بمدة المكث ومقدار الماء.

* دفع أجرة للسقاء مقابل الشرب دون تحديد قدر المشروب.

* استئجار الظئر (المرضع) مع الجهالة بقدر الرضاع، قال تعالى: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ.

قال ابن المنذر: "فاستئجار الظئر جائز، لأن الله أذن فيه، ولا اختلاف بين أهل العلم في ذلك أعلمه". انتهى من "الأوسط" (11/ 158).

بل أجاز كثير من العلماء إجارتها مقابل طعامها وكسوتها، مع جهالة قدر ما تأكل وما تحتاجه من الملابس، ففي "الموسوعة الفقهية الكويتية" (29/152): "أما إذا استأجر الظئر أو الأجير بطعامه وكسوته، أو جعل له أجرا وشرط له طعامه وكسوته، فقد اختلفوا فيه: فقال جمهور الفقهاء: المالكية وأبو حنيفة وهو رواية عن أحمد بجوازه؛ لأن هذه الجهالة لا تفضي إلى المنازعة؛ ولأن العادة جرت بالتوسعة على الآظار وعدم المماكسة معهن وإعطائهن ما يشتهين شفقة على الأولاد". انتهى

وقال هشام: سألت محمدا [ أي محمد بن الحسن الشيباني] عن الاطلاء بالنورة بأن قال: أطليك بدانق، ولا يعلم بما يطليه من غلظه ونحافته؟

قال: "هو جائز؛ لأن مقدار البدن معلوم بالعادة، والتفاوت فيه يسير لا يفضي إلى المنازعة؛ ولأن الناس يتعاملون ذلك من غير نكير، فسقط اعتبار هذه الجهالة بتعامل الناس". انتهى من "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (4/ 181):

وفي "المحيط البرهاني" (7/ 467): "وجهالة المعقود عليه توجب فساد العقد، إذا لم يكن للناس فيه تعامل، خُرِّج على هذا الدخول في ‌الحمام بأجر حيث يجوز مع ‌جهالة المعقود عليه؛ لأن للناس فيه تعامل".

وقال النووي: "وأجمعوا على جواز دخول ‌الحمام بالأجرة مع اختلاف الناس في استعمالهم الماء وفي قدر مكثهم، وأجمعوا على جواز الشرب من السقاء بالعوض مع ‌جهالة قدر المشروب واختلاف عادة الشاربين". انتهى من شرح صحيح مسلم» (10/156).

وقال الشيخ محمود خطاب السبكي:" ويجوز للحمامي أخذ أجرة الحمام وان لم يعلم مقدار ما يستعمل من الماء، ولا مقدار المكث فيه، لأن ‌جهالة المنفعة في مثل هذا ‌مغتفرة للتعارف وإن كان القياس يأباه، لوروده على إتلاف العين مع ‌الجهالة". انتهى من "الدين الخالص" (1/ 381).

السادس:

أن لهذه المعاملة نظائر معاصرة كثيرة، جرى عليها عمل الناس في الزمن الحاضر دون نكير، ومنها:

* دفع اشترك للدخول للنوادي والصالات الرياضية، مع أن كثيرا من الناس يدفع الاشتراك وقد لا يستفيد منه إلا بأقل قدر مما يتوقعه، فالأجرة هنا ليست مقابل عدد مرات الدخول، بل مقابل التمكين من الدخول في مدة زمنية محددة.

ينظر جواب السؤال (237790)

* ودفع اشترك شهري ثابت لخدمات الهاتف والجوال مقابل الاتصال كما يشاء في وقت محدد، مع أنه قد لا يستعمله نهائيا أو يستعمله بقدر ضئيل، أو يستعمله طول الوقت.

ينظر جواب السؤال (220237)، (132581)

* والاشتراك في خدمة الانترنت برسم شهري مع جهالة قدر استعمال المستخدم له.

وينظر جواب السؤال (100090)

فكل هذه الجهالات في قدر استخدام العميل للخدمة لا تضر؛ لأنها جهالة لا تفضي للنزاع عادة، وفيها تحقيق لمصالح الناس.

وسئل الشيخ سعد الخثلان عن الاشتراك في تطبيقات التوصيل، فقال:

"بعد التأمل في هذه المسألة، وبعد المباحثة مع بعض طلاب العلم: الذي يظهر -والله أعلم- أنه لا بأس بذلك؛ وذلك لأن المشترِك في هذه التطبيقات ونحوها قد بذل مالًا مقابل منفعةٍ، المال هو هذا الرسم، مقابل منفعةٍ، وهي خدمة توصيل الطلبات خلال هذه المدة المحددة، كما لو اشترى بطاقة اتصالات مكالماتٍ أو مثلًا بطاقة بياناتٍ لمدة شهرٍ مفتوحة، خدمات؛ مثلًا نت، أو المكالمات، لمدة شهرٍ، فهو قد اشترى منفعةً موصوفةً في الذمة لمدةٍ محددةٍ؛ فكذلك هنا.

فإن قال قائلٌ: أليس في هذا جهالةٌ وغررٌ؟

فالجواب: أما من جهة الشركة: فإن الشركة رابحةٌ على كل حالٍ؛ لأن بعض هذه الشركات تأخذ عمولةً من أصحاب المحلات، فهي رابحةٌ، بل إذا زاد عدد الطلبات؛ زاد الربح عندها، وحتى لو لم تكن هذه الشركات تأخذ عمولةً من أصحاب المحلات؛ فإنها في مجمل طلبات العملاء تعتبر رابحةً؛ لأن لديهم حساباتٍ تسمى: "حسابات إكتوارية"، فهي تربح في النهاية، وفي مجمل الأمر فهذه الشركات رابحةٌ.

وأما بالنسبة للمشترك: فهو قد اشترى هذه الخدمة وهذه المنفعة، وهي متاحةٌ له، فمتى ما أراد استفاد منها، سواءٌ قَلَّت الاستفادة أو كثرت، فما دام أنه يغلب على ظنه أنه سيستفيد منها، والعاقل لن يقدم على الاشتراك إلا وهو يغلب على ظنه أنه سيستفيد منها، ما دام أنه يغلب على ظنه أنه سيستفيد منها؛ فالجهالة جهالةٌ يسيرةٌ، أو الغرر يسيرٌ، لا سيما أن المدة محددةٌ، والمكان أيضًا محددٌ؛ لأن هذه الشركات تجعل النطاق في مدينةٍ معينةٍ، أو بلدٍ معينٍ؛ كمدينة الرياض مثلًا، ولا تقوم بتوصيل الطلبات لجميع المدن وجميع الأماكن، فالمكان محددٌ، والمدة محددةٌ، وهذا مما يقلل من الجهالة والغرر، فيكون الغرر يسيرًا، ومثل هذا الغرر يُتسامح فيه.

وليس كل غررٍ ممنوعًا شرعًا، فبعض العقود فيها نوعٌ من الغرر والجهالة، ومع ذلك أجازتها الشريعة؛ مثل الجعالة، الجعالة فيها غررٌ، ومع ذلك تجوز للحاجة، السَّلَم أيضًا فيه غررٌ، ومع ذلك يجوز، فليس كل غررٍ ممنوعًا شرعًا، فما دام أن الغرر في هذه المسألة يسيرٌ، وليس مظنة نزاعٍ ولا خصومةٍ.

وليس فيه أكل المال بالباطل، بل فيه مصلحةٌ للجميع؛ مصلحة للشركة، ومصلحة للمشترك، ومصلحة لأصحاب المحلات؛ فالذي يظهر أنه لا بأس بالاشتراك في هذه التطبيقات، أو مع هذه الشركات التي تقوم بتوصيل الطلبات". انتهى

والله اعلم

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android