أولا:
الأصل تحريم خلع الضرس مع إمكان معالجته بسحب العصب وحشو الضرس.
قال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (3/ 484): " (فلا يصح استئجار لقلع سن صحيحة)؛ لحرمة قلعها، وفي معناها كل عضو سليم، من آدمي أو غيره في غير قصاص.
أما العليلة: فيصح الاستئجار لقلعها إن صعب الألم، وقال أهل الخبرة: إن قلعها يزيل الألم" انتهى.
وقال في "التاج والإكليل" (7/ 545): " لو استأجر على قلع سن صحيحة، أو قطع يد صحيحة: لم يجز، ولو كانت اليد متآكلة، والسن متوجعة: جازت" انتهى.
ثانيا:
إذا أخطأ الطبيب، وبالغ في الحفر، فأتلف السن بحيث لم يعد صالحة للحشو: فهو ضامن؛ لأن الطبيب يضمن إذا جنت يده، ولو كان ماهرا، لكن لا إثم عليه حينئذ، فإن كان غير ماهر: أثم، وضمن.
قال ابن قدامة رحمه الله: " فأما إن كان حاذقا، وجنت يده، مثل أن تَجاوز قطع الختان إلى الحشفة، أو إلى بعضها، أو قطع في غير محل القطع، أو يقطع السَّلْعة من إنسان، فيتجاوزها، أو يقطع بآلة كالَّةٍ يكثر ألمها، أو في وقت لا يصلح القطع فيه، وأشباه هذا ضمن فيه كله؛ لأنه إتلاف، لا يختلف ضمانه بالعمد والخطأ= فأشبه إتلاف المال. ولأن هذا فعل محرم، فيضمن سِرايته، كالقطع ابتداء .
وكذلك الحكم في البَزَّاغ [وهو الحجام، والبيطار]، والقاطع في القصاص، وقاطع يد السارق.
وهذا مذهب الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافا " انتهى من "المغني(6/133) "
وينظر في حالات ضمان الطبيب: سؤال رقم: (114047).
وإذا أَشكل الأمرُ، عرض على طبيبين ثقتين، فإن قررا خطأ الطبيبة فيما صنعت، فهي ضامنة.
ثالثا:
قد أدى إفساد الضرس إلى خلعه، ولا يقال: إن هذا الخلع تم بموافقة المريضة؛ لأنها وافقت عليه بناء على خداعها، وإخفاء الحقيقة عنها، وإيهامها أن الضرس لا يصلح للحشو.
وعليه؛ فقد قمتِ بخلع ضرسها، مع أنه كان يمكن علاج الضِّرس، لولا الخطـأ.
فعلى ذلك: يلزمك دية الضرس.
ودية السن، أو الضرس السليم، أو المعيب الذي لم تذهب منفعته بالكلية، إذا أزيلت: خمس من الإبل.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/467): " قال القاضي: قول أحمد، - رحمه الله -: في السن السوداء، ثلث ديتها. محمول على سن ذهبت منفعتها، بحيث لا يمكنه أن يعض بها الأشياء، أو كانت تفتتت.
فأما إن كانت منفعتها باقية، ولم يذهب منها إلا لونها، ففيها كمالُ ديتها، سواء قلّت منفعتها، بأن عجز عن عض الأشياء الصلبة بها، أو لم يعجز؛ لأنها باقية المنفعة، فكملت ديتها، كسائر الأعضاء" انتهى.
وقال البهوتي في "كشاف القناع" (6/ 44): " (وإن قلع) الجاني (سنا مضطربةً، لكبر أو مرض وكانت منافعها) أي السن (باقية، من المضغ وحفظ الطعام والريق: وجبت ديتها.
وكذلك إن ذهب بعض منافعها، وبقي بعضها): وجبت ديتها؛ لأنه أذهب عضوا فيه منفعة.
(وإن ذهبت منافعها كلها: فهي كاليد الشلاء)؛ ففيها حكومة.
(وإن قلع سنا فيها داء، أو) قلع سنا فيها (أكلة، ولم يذهب شيء من أجزائها: ففيها دية سن صحيحة)؛ لكمالها، وبقاء منافعها.
(وإن سقط من أجزائها شيء: سقط من ديتها بقدر الذاهب منها، ووجب الباقي) من ديتها فيما أذهبه، كسائر ما فيه مقدر" انتهى.
وعلى ذلك؛ فيلزمك الرجوع إلى المريضة، وإعطاؤها قيمة خَمس من الإبل، إلا أن تعفو هي عن الدية كلها، أو بعضها، بعد أن تعلم بحقيقة ما لها في ذمتك.
ولا كفارة هنا.
والله أعلم.