الحمد لله.
أولا :
الغناء المصحوب بالمعازف ، أو المشتمل على كلمات الحب والغزل المهيج للشهوات ، لا شك في تحريمه ، لأدلة كثيرة ، تجدينها في جواب السؤال رقم (5000) ، (20406) .
وعليه فنحمد الله تعالى أن وفقك إلى ترك استماع الأغاني ، وصرف قلبك عنها .
ثانيا :
لا حرج في استماع الأناشيد الإسلامية ، المشتملة على الحِكَم ، والمواعظ ، والترغيب في الخير ، والدعوة إلى مكارم الأخلاق ، إذا كانت خالية من المعازف ، وبأصوات لا تثير الفتنة ، ولا تهيج على الحرام ، مع عدم الإكثار منها .
وقد أفت اللجنة الدائمة بفتوى مفصلة في حكم الأناشيد الإسلامية ، وهذا نصها :
" صدقت في حكمك بالتحريم على الأغاني بشكلها الحالي من أجل اشتمالها على كلام بذئ ساقط ، واشتمالها على ما لا خير فيه ، بل على ما فيه لهو وإثارة للهوى والغريزة الجنسية ، وعلى مجون وتكسر يغري سامعه بالشر . وفقنا الله وإياك لما فيه رضاه .
ويجوز لك أن تستعيض عن هذه الأغاني بأناشيد إسلامية فيها من الحكم والمواعظ والعبر ما يثير الحماس والغيرة على الدين ويهز العواطف الإسلامية ، وينفر من الشر ودواعيه ، لتبعث نفس من ينشدها ومن يسمعها إلى طاعة الله وتنفر من معصيته تعالى وتعدي حدوده إلى الاحتماء بحمى شرعه والجهاد في سبيله ، لكن لا يتخذ من ذلك وردا لنفسه يلتزمه ، وعادة يستمر عليها ، بل يكون ذلك في الفينة بعد الفينة عند وجود مناسبات ودواعٍ تدعو إليه كالأعراس والأسفار للجهاد ونحوه ، وعند فتور الهمم لإثارة النفس والنهوض بها إلى فعل الخير ، وعند نزوع النفس إلى الشر وجموحها لردعها عنه وتنفيرها منه .
وخير من ذلك أن يتخذ لنفسه حزبا من القرآن يتلوه ، ووردا من الأذكار النبوية الثابتة فإن ذلك أزكى للنفس وأطهر وأقوى في شرح الصدر وطمأنينة القلب ، قال الله تعالى : ( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) الزمر/23 ، وقال سبحانه : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ) الرعد/28، 29 .
وقد كان ديدن الصحابة وشأنهم رضي الله عنهم العناية بالكتاب والسنة حفظا ودراسة وعملا ومع ذلك كانت لهم أناشيد وحداء يترنمون به في مثل حفر الخندق وبناء المساجد ، وفي سيرهم إلى الجهاد ونحو ذلك من المناسبات ، دون أن يجعلوه شعارهم ، ويعيروه جل همهم وعنايتهم ، لكنه مما يروحون به عن أنفسهم ويهيجون به مشاعرهم .
أما الطبل ونحوه من آلات الطرب فلا يجوز استعماله مع هذه الأناشيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يفعلوا ذلك .
والله الهادي إلى سواء السبيل ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (4/532) .
ثالثا :
ينبغي أن تكثري من ذكر الله تعالى ، ومن قراءة القرآن ، وأن تجعلي لنفسك وردا يوميا ، للحفظ والمراجعة ، وأن تنشغلي باستماع بعض الدروس العلمية ، والمحاضرات الدعوية ، فهذا خير وسيلة للتقليل من سماع الأناشيد ، واغتنام الوقت فيما هو نافع ومفيد .
وإن مما يؤسف له أن مَن أكثرَ من سماع الأناشيد ، ثقُل عليه قراءة القرآن ، بل وسماعه ، وهذه مضرة لا يستهان بها ، ولو لم يكن من مضرتها إلا حرمان الأجر العظيم ، لكان ذلك رادعا لأهل الإيمان عن التعلق بالأناشيد وإدمان سماعها .
ومعلوم أن ساعة واحدة ، ينشغل فيها المؤمن بقراءة القرآن ، يكتب له فيها آلاف الحسنات ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، لا أَقُولُ الم حَرْفٌ ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ ، وَلامٌ حَرْفٌ ، وَمِيمٌ حَرْفٌ ) رواه الترمذي (2910) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
والساعة تكفي لقراءة نحو عشرين صفحة من صفحات المصحف ، فيها ما لا يقل عن تسعة آلاف حرف .
فكيف ينشغل الإنسان بسماع الأناشيد عن سماع كتاب الله تعالى وتلاوته !
فاجتهدي في التقليل من سماع هذه الأناشيد ما أمكن ، حتى تقتصري على سماعها في العرس والعيد ونحوه ، اغتناماً للأوقات ، وتحصيلاً للدرجات . وستجدين عما قريب بإذن الله لذة القراءة ، وأُنس الطاعة ، وحلاوة الإيمان ، مع كلام الرحمن .
نسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى .
والله أعلم .
تعليق