الحمد لله.
قد ذكر الله تعالى في كتابه " النفس اللوامة " ، وهي النفس التي تلوم صاحبها إن قصَّر في طاعة ، وتلومه إن فعل محذوراً .
وقد وقع لكثير من السلف أن فاتهم خير فلاموا أنفسهم ، ورأوا أن يهذبوا تلك النفوس بمزيد من الطاعة والعبادة ، ومنهم من وقع في محذور ففعل الأمر نفسه .
ومن خلال النظر في فعلهم يتبين لنا أنهم لم يخالفوا الشرع في ذلك ، فبعضهم من الصحابة ، وفعل ذلك في عهد التنزيل ، وبعضهم من أئمة العلم والفتوى وقد رأوا أن ذلك غير مخالف لشرع الله تعالى .
وبالتأمل في تهذيبهم لأنفسهم بطاعة وعبادة نجد أنهم لم يقعوا فيما وقع فيه غيرهم من غير أهل العلم من أهل السنة ، فهم لم يُحِّملوا أنفسهم فوق طاقتهم ، ولم يتسببوا في أذى أو ضرر أبدانهم بحرق أو كسر ، وكان فعلهم أشبه بنذر التبرر ، وهو أن يلزم المسلم نفسه بعبادة لم يأمره الله تعالى بها ، دون أن يكون ذلك معلَّقاً بشفاء أو نجاح أو غيرهما .
ومن أمثلة ذلك :
1. ما رواه الإمام أحمد ( 18930 ) – وحسنه شعيب الأرناؤط ( 4 / 323 ) - في قصة صلح الحديبية ، ومراجعة عمر بن الخطاب رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم في بنود الصلح ، وعلمه بأنه لم يكن له أن يفعل ذلك ، فقد قال رضي الله عنه : ( ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ ، مخافة من كلامي الذي تكلمت به ، حتى رجوت أن يكون خيراً ) .
2. ما رواه البخاري ( 5725 ) عن عائشة رضي الله عنها من نذرها أن لا تكلم عبد الله بن الزبير ، وقد شفع له المِسوَر بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود ، فأدخلاه عليها – وهي خالته – فاعتنق عائشة وطفق يناشدها ويبكي ، وما زالا بها حتى كلمته ، وأعتقت في نذرها أربعين رقبة .
3. وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا فاتته صلاةٌ في جماعة أحيا تلك الليلة .
4. وفاتت ابنَ أبي ربيعة ركعتا سنة الفجر فأعتق رقبة .
5. وقال حرملة : سمعت عبد الله بن وهب يقول : نذرتُ أني كلما اغتبت إنسانا أن أصوم يوماً ، فأجهدني ، فكنت أغتاب وأصوم ، فنويت أني كلما اغتبت إنساناً أن أتصدق بدرهم ، فمِن حب الدراهم تركت الغيبة .
قال الذهبي – معلقاً - : هكذا والله كان العلماء ، وهذا هو ثمرة العلم النافع .
" سير أعلام النبلاء " ( 9 / 228 ) .
6. وعن عبد الله بن عون أن أمه نادته فأجابها فعَلا صوتُه صوتَها ، فأعتق رقبتين .
" سير أعلام النبلاء " ( 6 / 366 ) .
وقد ذكرنا فوائد أخر في هذه المسألة في جواب السؤال رقم ( 27082 ) فلينظر .
ونرى أنه لا ينبغي تحديد عدد معين من الذكر لكل عبادة مما ذكر في السؤال والالتزام بهذا العدد دائما ، وأما تحديد ذلك لمرة فلا بأس ، وهو يشبه من نذر صوم عدد معين من الأيام أو الصدقة بمبلغ معين ، وأما جعل ذلك فعلاً مستمراً : فالظاهر عدم جوازه ، وينبغي لك الإكثار من ذكر الله تعالى والاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على كل حال ، ولا يكون ذلك مقيداً بالتقصير في طاعة من الطاعات .
تعليق