الحمد لله.
لقد أكرم الله تعالى الإنسان بالعقل ووهبه الإرادة الحرة ليختار بها ما يُمليه عليه دينه وعقله وخلقه ، وليرتفع بها عن استقبال إملاءات الهوى والشيطان ، فلا ينبغي لمن مُنِح هذه الكرامة أن يُفَرِّطَ فيها فيستجيب لرغبات مَن حوله المحرمةِ وعاداتِهم البغيضةِ .
أخي الكريم
لقد جاء في السنة المطهرة النهيُ عن عقد الزواج الذي تم بينكم ، وهو ما يسمى بنكاح " الشِّغَار " .
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الشِّغار ) رواه البخاري ( 5112 ) ومسلم ( 1415 ) .
ونكاح الشغار : أن يشترط تزويج كل واحد منهما بنت الآخر أو أخته أو موليته ، سواء كان هناك مهر أم لا .
جاء في " المدونة " ( 2 / 98 ) :
" أرأيت إن قال : زوِّجني ابنتَك بمائة دينار على أن أزوجك ابنتي بمائة دينار ؟ .
فكرهه مالك ، ورآه من وجه الشغار " انتهى .
ومما يدل على ذلك ما رواه أبو داود وغيره ( 2075 ) عن عبد الرحمن بن هرمز أن العباس بن عبد الله بن عباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته ، وأنكحه عبد الرحمن ابنته ، وقد كانا جعلا صداقاً ، فكتب معاوية بن أبي سفيان إلى مروان بن الحكم يأمره بالتفريق بينهما ، وقال في كتابه : هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وعدَّ بعض أهل العلم نكاح الشغار نكاحاً فاسداً لا يجوز إمضاؤه .
جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 18 / 427 ) :
" إذا زوَّج الرجل موليته لرجل على أن يزوجه الآخر موليته : فهذا هو نكاح الشغار الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو الذي يسميه بعض الناس نكاح " البدل " ، وهو نكاح فاسد ، سواء سمِّي فيه مهر أم لا ، وسواء حصل التراضي أم لا .
أما إن خطب هذا مولية هذا ، وخطب الآخر موليته من دون مشارطة وتم النكاح بينهما برضى المرأتين مع وجود بقية شروط النكاح : فلا خلاف في ذلك ، ولا يكون حينئذ من نكاح الشغار " انتهى .
وانظر جواب السؤال رقم ( 11515 ) .
وبهذا يتبين أنكم قد ارتكبتم محذوراً شرعيّاً عظيماً ، فضلاً عن كونه محذوراً اجتماعيّاً ونفسيّاً كبيراً .
وذلك أن الزواج يجب أن يبدأ بالرضى ويكون بالاختيار ، وقد حرصت الشريعة على توفر الرضى في كل زواج ، حتى قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تُنكَحُ البِكرُ حَتَّى تُستَأذَنَ ) رواه البخاري ( 5136 ) ومسلم ( 1419 ) .
والزواج إذا لم يكن عن رضا وارتياح : فغالباً ما يكون مصيره الفشل ، فكيف إذا كان الزوج يَكرَهُ زوجته كما هو حال السائل .
وأخطر من ذلك ما ذكرت من تعلقكَ بأخت مَن عقدتَ عليها ، فإن كرهك للتي خطبتَها وتعلقك بأختها يعني أن نفسك ستدعوك إلى التطلع للمحرمات ، وأن الشيطان سيجد فرصة كبيرة ليسول لك المعصية ويزين لك الخطيئة ، وهو مع ذلك سيحرمك سعادة الزواج وأنس السكن والمودة بينك وبين زوجتك .
وسبب ذلك مخالفة شريعة الله تعالى والوقوع في نكاح الشغار !
فالنصيحة لك أن تحذر من إتمام هذا الزواج ، ولا تستجب لأي محاولة لخلق الأعذار ، وعليك أن تبين لزوج أختك أن اشتراط العقدين معاً أمر محرم ، ويفسد العقدين جميعا ، فعليه أن يتمسك بزوجته ، ولكن في الوقت ذاته عليه أن يعيد عقد النكاح مرة أخرى ، لأن العقد فاسد بسبب الشغار ، فإن رفض ذلك وأصر على مفارقتها ، فقد قال الله سبحانه وتعالى : ( وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعاً حَكِيماً ) النساء/130 .
وأذكرك اللَّهَ – أخي السائل – ألا تقتحم حرماته بمحاولة الاتصال بتلك الفتاة التي ترغب بها ، فإنه إن لم يتيسر لك الزواج بها بالحسنى : فالواجب عليك قطع صلتك بها تماما .
نسأل الله لك الهداية والتوفيق .
والله أعلم .
تعليق