الحمد لله.
روى مسلم في صحيحه (1164) عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ ).
وظاهر الحديث أن تحصيل هذا الأجر إنما يكون لمن صام الست في شوال .
واختلف أهل العلم فيمن صام الست في غير شوال ، لعذر أو غيره ، هل يحصل له فضيلة صومها في شوال ، على أقوال :
القول الأول :
ذهب جماعة من المالكية وبعض الحنابلة إلى أن الفضيلة تحصل لمن صام ستة أيام في شوال أو بعده ، وأن الحديث إنما ذكر شوال من باب التيسير على المكلف ، لأن صومها بعد رمضان أسهل من صومها بعد ذلك .
قال العدوي في حاشيته على شرح الخرشي : (2/243) : " وإنما قال الشارع : ( من شوال ) للتخفيف باعتبار الصوم ، لا تخصيص حكمها بذلك الوقت ، فلا جرم أن فعلها في عشر ذي الحجة مع ما روي في فضل الصيام فيه أحسن ؛ لحصول المقصود مع حيازة فضل الأيام المذكورة , بل فعلها في ذي القعدة حسن أيضا , والحاصل : أن كل ما بعد زمنه كثر ثوابه لشدة المشقة " انتهى .
ونقل في "تهذيب فروق القرافي" لمحمد بن علي بن حسين مفتي المالكية بمكة ، المطبوع مع الفروق (2/191) عن ابن العربي المالكي أن قوله صلى الله عليه وسلم : (من شوال) "على جهة التمثيل ، والمراد : أن صيام رمضان بعشرة أشهر ، وصيام ستة أيام بشهرين ، وذلك المذهب [يعني مذهب الإمام مالك] ، فلو كانت من غير شوال لكان الحكم فيها كذلك ، قال : وهذا من بديع النظر فاعلموه" انتهى .
وقال ابن مفلح رحمه الله في "الفروع" (3/108) : " ويتوجه احتمال : تحصل الفضيلة بصومها في غير شوال , وفاقا لبعض العلماء , ذكره القرطبي , لأن فضيلتها كون الحسنة بعشر أمثالها , كما في خبر ثوبان , ويكون تقييده بشوال لسهولة الصوم لاعتياده رخصة , والرخصة أولى" انتهى .
ونقله صاحب الإنصاف وتعقبه بقوله : " قلت : وهذا ضعيف مخالف للحديث , وإنما ألحق بفضيلة رمضان لكونه حريمه , لا لكون الحسنة بعشر أمثالها ; ولأن الصوم فيه يساوي رمضان في فضيلة الواجب " انتهى من "الإنصاف" (3/344).
القول الثاني :
ذهب جماعة من الشافعية إلى أن من فاته صيام ست من شوال قضاها في ذي القعدة .
لكن ثوابها يكون دون ثواب من صامها في شوال ، فمن صام رمضان وأتبعه بست من شوال كان له ثواب صيام سنةٍ فرضا ، بخلاف من صام رمضان وستة من غير شوال ، فهذا له ثواب رمضان وثواب ستة أيام نفلا .
قال ابن حجر المكي في "تحفة المحتاج" (3/456) : " من صامها مع رمضان كل سنة تكون كصيام الدهر فرضا بلا مضاعفة ، ومن صام ستةً غيرها كذلك تكون كصيامه نفلا بلا مضاعفة" انتهى .
القول الثالث :
أنه لا تحصل فضيلتها إلا بصومها في شوال ، وهو مذهب الحنابلة .
قال في "كشاف القناع" (2/338) : " ولا تحصل الفضيلة بصيامها أي : الستة أيام في غير شوال ، لظاهر الأخبار" انتهى .
لكن يرجى لمن صام بعضها ولم يكملها لعذر أن ينال أجرها وفضيلتها .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " ولا يشرع قضاؤها بعد انسلاخ شوال ؛ لأنها سنة فات محلها ، سواء تركت لعذر أو لغير عذر " .
وقال فيمن صامت أربعة أيام من شوال ولم تكمل الست لبعض الظروف : " صيام الأيام الستة من شوال عبادة مستحبة غير واجبة ، فلك أجر ما صمت منها ، ويرجى لك أجرها كاملة إذا كان المانع لك من إكمالها عذراً شرعياً ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل مقيماً صحيحاً ) رواه البخاري في صحيحه . وليس عليك قضاء لما تركت منها . والله الموفق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (15/389 ، 395).
والحاصل :
أن صيام الست من غير شوال ، من أهل العلم من رآه كصيامها في شوال ، ومنهم من أثبت لها فضلا لكن دون فضل الست في شوال . ومنهم من رجي الثواب لمن لم يكملها لعذر ، وفضل الله واسع ، وعطاؤه لا منتهى له ، فلو أن هذه الأخت صامت يومين من ذي القعدة عوضا عما فاتها من شوال ، كان ذلك حسنا ، ويرجى لها الثواب والأجر إن شاء الله .
والله أعلم .
تعليق