الحمد لله.
أولا :
ورد في كراهة تسمية المدينة النبوية بيثرب : ما رواه البخاري (1871) ومسلم (1382) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَقُولُونَ يَثْرِبُ ! وَهِيَ الْمَدِينَةُ ) .
قال الحافظ في الفتح : " قَوْله : ( يَقُولُونَ يَثْرِب وَهِيَ الْمَدِينَة ) أَيْ أَنَّ بَعْض الْمُنَافِقِينَ يُسَمِّيهَا يَثْرِب , وَاسْمهَا الَّذِي يَلِيق بِهَا الْمَدِينَة . وَفَهِمَ بَعْض الْعُلَمَاء مِنْ هَذَا كَرَاهَة تَسْمِيَة الْمَدِينَة يَثْرِب وَقَالُوا : مَا وَقَعَ فِي الْقُرْآن إِنَّمَا هُوَ حِكَايَة عَنْ قَوْل غَيْر الْمُؤْمِنِينَ . وَرَوَى أَحْمَد مِنْ حَدِيث الْبَرَاء بْن عَازِب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ سَمَّى الْمَدِينَة يَثْرِب فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّه , هِيَ طَابَة هِيَ طَابَة ) .
وَرَوَى عُمَر بْن شَبَّة مِنْ حَدِيث أَبِي أَيُّوب ( أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُقَال لِلْمَدِينَةِ يَثْرِب ) .
وَلِهَذَا قَالَ عِيسَى بْن دِينَار مِنْ الْمَالِكِيَّة : مَنْ سَمَّى الْمَدِينَة يَثْرِب كُتِبَتْ عَلَيْهِ خَطِيئَة . قَالَ : وَسَبَب هَذِهِ الْكَرَاهَة لِأَنْ يَثْرِب إِمَّا مِنْ التَّثْرِيب الَّذِي هُوَ التَّوْبِيخ وَالْمَلَامَة , أَوْ مِنْ الثَّرْب وَهُوَ الْفَسَاد , وَكِلَاهُمَا مُسْتَقْبَح , وَكَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبّ الِاسْم الْحَسَن ، وَيَكْرَه الِاسْم الْقَبِيح . " انتهى .
وحديث : ( من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله ) ضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5635)
ثانيا :
يُكره تسمية البنت بـ ( يثرب ) ، لسببين :
1- أن فيه نوع مشابهة للمنافقين في تسميتهم المدينة بذلك .
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعجبه ذلك الاسم ، وغيّره إلى ( طابة ) أو ( المدينة ) ، وذلك لأن اسم ( يثرب ) يدل على معنى قبيح كما سبق ، فهو من التوبيخ أو الفساد ، ومن حقوق الولد على أبيه أن يختار له اسماً حسناً .
ولابن القيم رحمه الله كلام نفيس في هذا الباب ، نسوق جملة منه ، قال رحمه الله :
" وثبت عنه أنه غير اسم عاصية ، وقال : أنت جميلة .
قال أبو داود : وغيَّر النبي صلى الله عليه وسلم اسم العاص وعزير وعتلة وشيطان ، وسمى حربا سلما ، وشعب الضلالة سماه شعب الهدى ، وسمى بني مغوية بني رشدة ".
قال ابن القيم : " بل للأسماء تأثير في المسميات ، وللمسميات تأثر عن أسمائها في الحسن والقبح ، والخفة والثقل ، واللطافة والكثافة ، كما قيل :
وقلما أبصرت عيناك ذا لقب إلا ومعناه إن فكرت في لقبه
وكان صلى الله عليه وسلم يستحب الاسم الحسن ، ....وندب جماعةً إلى حلب شاة ، فقام رجل يحلبها ، فقال : ما اسمك ؟ قال : مرة ، فقال : اجلس ، فقام آخر فقال : ما اسمك ؟ قال : أظنه حرب ، فقال : اجلس ، فقام آخر فقال : ما اسمك ؟ فقال : يعيش ، فقال : احلبها .
وكان يكره الأمكنة المنكرة الأسماء ويكره العبور فيها ، كما مر في بعض غزواته بين جبلين ، فسأل عن اسميهما فقالوا : فاضح ومخز ، فعدل عنهما ، ولم يعبر بينهما ...
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتحسين أسمائهم ، وأخبر أنهم يدعون يوم القيامة بها ،
ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، واسمها يثرب لا تعرف بغير هذا الاسم ، غيره بطيبة . " انتهى من "زاد المعاد" (2/306) باختصار .
والحاصل أن التسمية بيثرب مكروهة ، وأنه ينبغي التسمي بالأسماء الحسنة الدالة على المعاني المحمودة ،
وراجع للفائدة السؤال رقم (1692) والله أعلم .
تعليق