الحمد لله.
أولا :
إذا كان الأمر كما ذكرت فإن ما تريدونه من تنازل الجد عن حقه من التركة بمقابل يسميه العلماء "صلحاً" وهو في الصورة التي سألت عنها : صلح عن شيء مجهول ، لأن الجد لا يعلم مقدار نصيبه من التركة ، والصلح عن شيء مجهول لا يجيزه بعض الأئمة – كالشافعي – كما أنه لا يجوز بيع شيء مجهول .
قال الإمام الشافعي رحمه الله في "الأم" (3/226) : " ومن الحرام الذي يقع في الصلح : أن يقع عندي على المجهول الذي لو كان بيعاً كان حراما . وإذا مات الرجل فصالح بعض الورثة بعضاً ، فإن وقع الصلح على معرفة من المصالِح والمصالَح بحقوقهم ، أو إقرار بمعرفتهم بحقوقهم , وتقابض المتصالحان قبل أن يتفرقا فالصلح جائز . وإن وقع على غير معرفة منهما بمبلغ حقهما أو حق المصالح منهما : لم يجز الصلح كما لا يجوز بيع مال امرئ لا يعرفه " انتهى .
وعند الإمام أحمد رحمه الله يصح الصلح عن المجهول إذا كان لا يمكن العلم به ، أما إذا كان يمكن العلم به – كما في مسألتكم – لم يجز الصلح .
قال ابن قدامة رحمه الله : " ويصح الصلح عن المجهول إذا كان مما لا سبيل إلى معرفته ...
فأما ما يمكنهما معرفته , كتركة موجودة , أو يعلمه الذي هو عليه , ويجهله صاحبه , فلا يصح الصلح عليه مع الجهل .
قال أحمد : إن صولحت امرأة من ثُمُنها – يعني نصيبها من الميراث - لم يصح . واحتج بقول شريح : أيما امرأة صولحت من ثمنها , لم يتبين لها ما ترك زوجها , فهي الريبة كلها – يعني يُشك في الورثة أنهم يريدون أكل أموالها ويخدعونها -
قال : وإن ورث قوم مالا ودورا وغير ذلك , فقالوا لبعضهم : نخرجك من الميراث بألف درهم . أكره ذلك , ولا يُشترى منها شيء وهي لا تعلم ، لعلها تظن أنه قليل , وهو يعلم أنه كثير ، ولا يَشتري حتى تعرفه وتعلم ما هو , وإنما يصالح الرجل الرجل على الشيء لا يعرفه , ولا يدري ما هو فيصالحه , فأما إذا علم فلِمَ يصالحه ؟! إنما يريد أن يهضم حقه ويذهب به " انتهى من "المغني" (7/23) باختصار .
وعلى هذا ، فلا يجوز لكم أن تطلبوا من جدكم التنازل عن حقه مقابل مال تدفعونه له ، لأن ذلك قد يوجه إليكم أصابع الاتهام أنكم تريدون أن تأكلوا حق الجد من الميراث ، وتحرموه منه ، حتى لا يذهب إلى ورثته من بعده .
وإذا كنتم تريدون فعلاً التخلص من الإجراءات التي قد تتأخر ، فعليكم بحصر التركة وتمييز نصيب الجد ، وحينئذ ينتفي المحذور الذي تخافون منه .
ثانياً :
إذا كان الجد صحيحاً عاقلاً ولم يتأثر عقله بكبر السن ، فلا حرج عليكم إن تنازل لكم عن حقه من التركة كله أو بعضه ، بشرط أن يكون ذلك برضاه ، ومن غير طلب منكم ، لأنكم إن طلبتم ذلك فقد يوافق حياء وخجلاً .
ثالثاً :
يجب عليكم أن تحرصوا على العدل وعدم أكل حقوق الناس ، وقد تولى الله تعالى بنفسه قسمة المواريث ، وقال عنها : ( فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ) النساء /11 .
فلا يجوز لكم التحايل لأكل حقوق الآخرين .
نسأل الله تعالى أن يوفقكم لأكل الحلال واجتناب الحرام .
والله أعلم .
تعليق