الحمد لله.
أولا :
هذه المشكلة ، كما قلت أيتها السائلة ، ليست مشكلتك وحدك ، وإنما هي مشكلة تتكرر في بعض البلاد التي يسمح الوضع الاجتماعي فيها بتلك المعيشة المختلطة ، التي تجمع الإنسان بعد زواجه ، بأسرته الأولى في المعيشة ، بما يعني أن توجد الزوجة في نفس البيت الذي يوجد فيه أقرباء زوجها ، أخوه ، أو أبناء إخوته ، أو نحو ذلك .
ومع اتفاقنا معك في أن هذا الوضع يسبب الكثير من الحرج والمشكلات ، والمحافظة على الحجاب والآداب الشرعية للخلطة فيه ، فيها قدر كبير من المشقة والحرج ؛ فإننا نقول لك -أيضا - أيتها السائلة الكريمة : إن كثيرا من المسلمات الحريصات على حجابهن ، الحافظات لحدود ربهن ، أمكنهن التغلب على ذلك الوضع الصعب ، والالتزام فيه بحدود الله ، رغم المشقة والتعب التي تجدينها ، والتي نعرفها نحن أيضا .
وإذا كان هذا الوضع ، غير المحبب ، من المعيشة المشتركة ، لا مفر منه في الوقت الراهن ، كما هو الحال في كثير من الأحيان ، فنستطيع أن نتعايش معه بالمحافظة على باب البيت مغلقا من الداخل ، على من فيه من النساء ، بحيث يمكنك ستر نفسك ، وأخذ حجابك عند دخول أحد الرجال الأجانب عنك ، أو وجوده في المنزل ، مع المحافظة على ألا تكوني معه في نفس الغرفة أو المكان المغلق ، قدر الإمكان ، وإن كنت على حجابك .
ويأتي دور زوجك المهم في هذه المشكلة ، بالتنبيه على أخيه ، وأقاربه الرجال عموما بالتزام هذا الأدب ، باعتباره حدا من حدود الله تعالى ، لا يحق لنا تعديه , ولا يجوز لأحد من الناس أن يتلاعب فيه .
وقد جاء التحذير من التساهل في دخول أقرباء الزوج على زوجته ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِيَّاكُمْ وَالدُّخولَ عَلَى النِّسَاءِ" فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ الله أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ ؟ قَالَ: " الْحَمْوُ الْمَوْتُ ) رواه البخاري (5232) ومسلم (2172) . قال الليث بن سعد : الحمو : أخ الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج ، ابن العم ونحوه .
ومع إقرارنا بصعوبة ذلك ، في بادئ الأمر ، لما جبلت عليه نفوس كثير من الناس ، من حب المخالفة ، والنفار من الالتزام بالحدود والآداب ، مع إقرارنا بذلك ، فإننا نبشرك أن الأمر لا يلبث أن يصير معتادا مألوفا مع الوقت ، لكنه يحتاج إلى جد وصبر في بادئ الأمر ، ويعينك على صبرك ذلك ، أنت وزوجك ، أن تعلمي أن الأجر على قدر المشقة .
ثانيا :
ما ذكرت من وجود شقة خاصة لك ، هو مخرج حسن مريح ، وحل واضح لتلك المشكلة ، فأما زوجك واحد من أمرين :
الأول : أن يقتنع ويرضى بالعيش في هذه الشقة ، وبقائك فيها أكثر اليوم ، كما هو الوضع الطبيعي للزوجات ، ما دام بيت العائلة مفتوحا يدخله الأجانب عنك بين الحين والآخر ، وما دام هناك رجال آخرون يعيشون معكم ، الأمر الذي يترتب عليه الحرج الذي أشرت إليه في سؤالك ، أو التساهل في أمر الحجاب والاختلاط ، وما يترتب على ذلك من المعاصي والفتن .
الثاني : إذا لم تسمح له ظروفه ، في الوقت الراهن بالانفصال ، لسبب أو لآخر ، فالواجب عليه أن يساعدك ، هو وأهل بيته في المحافظة على حجابك ودينك ، كما أشرنا إليه سابقا ، وليس بالأمر المتعذر ، بل ولا الصعب ، وكثير من الناس حافظ عليه ، واستقامت لهم حياتهم.
ثالثا :
ستر المرأة وجهها عن الرجال الأجانب ، واجب على الصحيح من قولي العلماء ، وقد بينا أدلة ذلك في الجواب رقم (11774)، كما بينا أدلة تحريم الاختلاط في الجواب رقم (12525)
ويدخل ضمن (الرجال الأجانب) : أخ الزوج ، وعمه وخاله ، فليس للزوجة أن تكشف وجهها أمامهم .
وبناء على ذلك ، يلزمك ستر الوجه وعامة البدن إذا خرجت إلى الشرفات ( البلكون ) ، وتعرضت لرؤية الرجال الموجودين في الشارع وغيره ، وهذا لا مشقة فيه ، لعدم تكرره أو دوامه ، كما يمكن وضع عازل محيط بالبلكون يمنع رؤية الآخرين لمن يقف فيه .
واعلمي ـ يا أمة الله ـ أن أحكام الشريعة يسر لا عسر ، كما قال تعالى : ( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/آية6 ، وأنها جاءت لتحقيق المصالح العظيمة النافعة للرجل والمرأة ، والكفيلة بحماية المجتمع من أسباب الفساد والانحراف ، لكن العسر يدخل على المكلف من جهة خطئه في التطبيق ، أو عدم استفادته من النعم التي مكنه الله منها . ولهذا نعيد التأكيد على أنه ينبغي لك الاستفادة من الشقة الخاصة بك ، وتجربة الحياة فيها بعيدا عن الاختلاط ، والمزاحمة ، وستجدين السعادة والراحة بإذن الله تعالى .
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى ..
والله أعلم .
تعليق