الحمد لله.
أولاً :
من عادتنا في الأجوبة على الأسئلة التي تردنا أن ننبه على الأخطاء الشرعية التي تأتي في ثنايا السؤال ، وبعضها قد يكون له تعلق في السؤال ، وبعضها الآخر ليس كذلك ، لكنه من المهم لنا أن نبين للسائل الصواب فيما يرد في كلامه ، أداء للنصيحة التي أوجبها الله علينا .
ثانياً :
ويمكن إجمال ما رأيناه من المخالفات الشرعية في السؤال سواء ما يتعلق بالزوجة أو الزوج فيما يأتي :
1. السفر من غير محرم :
وقد فهمنا هذا من خلال قول الأخت السائلة : " والآن أعمل في قرية من القرى التي تبعد عن مدينتي بحوالي 150 كم أي : ما يعادل ساعة ونصف ذهاباً ، وساعة ونصف إياباً " .
فإن كان هذا هو الواقع ، وأنه لا يسافر معها محرم لها : فلتعلم أنه " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم " ، ولا تكفي عصبة النساء – كما يراه بعض العلماء – لتسافر المرأة من غير محرم ، ويجب على كل امرأة منهن أن يكون لها محرم .
وانظري تفصيل هذه المسألة في أجوبة الأسئلة : ( 3098 ) و ( 69337 ) و ( 45917 ) و ( 4523 ) .
2. المراسلة مع أجنبي في الإنترنت .
وهو ما حصل منكِ مع الرجل الأجنبي عنك ، وإذا كان هذا الأجنبي عنكِ قد تقدم للزواج منكِ فإن الآلاف لم يفعلوا مع من أوقعوهنَّ في حبائلهم ، وقد تُبنى العلاقة الزوجية التي تقوم على مثل هذه المقدمات على الشك والريبة والتهمة ، وبالتالي لا يُكتب للزواج النجاح .
وقد سبق ذِكر تحريم المراسلة بين الجنسين في جواب السؤالين : ( 26890 ) و ( 10221 ) .
3. القرض الربوي المحتال عليه باسم " المرابحة " :
وقد جاء هذا في قولك عن خطيبك : " وقريبا سيحصل على موافقة من أحد البنوك على قرض بالمرابحة حتى يتم مراسيم ملكتنا وزواجنا " .
وتسمية عامة الناس لهذه المعاملة بـ " القرض " إنما هو تسمية لحقيقتها ، وإن احتالت البنوك على الناس بتسميتها مرابحة ، إذ حقيقتها اقتراض بفائدة ربوية .
وانظري تفصيل المسألة في جواب السؤال رقم : ( 36408 ) .
4. المحادثة أثناء الخطوبة .
قلتِ في سؤالكِ : " بعد فترة من خطوبتي أصبحنا نتحدث عبر الهاتف ( أعرف أننا أخطأنا في هذه النقطة خصوصا أنه لم يتم عقد القران ) " .
فالواجب الحذر من الخلوة بالمخطوبة ، أو الخروج معها ، أو التوسع في الاختلاط بها ، والحديث إليها ، وخاصة في الهاتف ، وحيث لا يكون هناك محرم أو رقيب .
وانظري جواب الأسئلة ( 7757 ) و ( 2572 ) و ( 20069 ) لتعلمي حدود العلاقة بين الخاطب والمخطوبة .
5. الاشتراط في الزواج :
قولكِ : " معقول بنات القبائل والأشراف ما لهم شروط صعبة ولا طلبات ؟ " .
والجواب : نعم ، معقول ، واشتراط الأمور الصعبة على الزوج مما يساهم في تعقيد الحياة الزوجية ، وقد يكون فيها تكليف الزوج ما لا يطيق ، فيؤثر ذلك سلباً على نفسيته وحياته وتعامله مع زوجته وأهلها .
ثم إن اشتراط الأشياء الصعبة والطلبات على الزوج لا يدل على رجاحة عقل ولا شرف نسب ، وهذه فاطمة رضي الله عنها وهي من أشرف نساء العالمين ، وابنة سيد المرسلين لم تَشترط في زواجها شروطاً ( صعبة ) ، ولا كان فيه كثرة ( طلبات ) ، وكذا نقول في بنات النبي صلى الله عليه وسلم وبنات أصحابه المشرفات المكرمات نسباً وديناً وعقلاً .
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ( جَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ فِي خَمِيلٍ [ قصيفة ] وَقِرْبَةٍ وَوِسَادَةِ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفُ الْإِذْخِرِ ) .
رواه أحمد (644) والنسائي (3384) وصححه الألباني .
وقد جاء في السنة المشرفة ما يدل على خلاف ذلك الظن الذي تظنينه ، وهو الترغيب بتيسير الخِطبة ، وقلة مؤنة الزواج .
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ : تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا ، وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا ) .
رواه أحمد ( 23957 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح الجامع " ( 2235 ) .
6. خدمة المرأة لزوجها :
قولكِ : " ولأن الرجال في مجتمعنا تناسوا أن أشغال البيت في الإسلام من مسؤولية الزوج ، وهو حر إما أن يؤديها بنفسه ، أو يستقدم الخدم ، وإن قامت بها الزوجة : فهو كرم منها وفضل ! " .
وهذا وإن كان هو قول الجمهور لكنه قول ضعيف مرجوح ، وليست خدمة المرأة في بيتها كرماً منها وفضلاً ، بل هو واجب عليها ولا شك ، وإنما يكون ذلك بحسب قدرتها وطاقتها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
وتجب خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله ، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال ، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية ، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة .
" الفتاوى الكبرى " ( 4 / 561 ) .
وسئل الشيخ عبد الله بن جبرين - حفظه الله -:
قرأت في إحدى الصحف هنا فتوى لأحد العلماء يقول فيها إن خدمة الزوجة لزوجها ليست واجبة عليها أصلاً وإنما عقده عليها للاستمتاع فقط ، أما خدمتها له فذلك من باب حسن العشرة ، وقال إنه يلزم الزوج إحضار خدم لزوجته لو كانت لا تخدمه أو تخدم نفسها لأي سبب ، هل هذا صحيح وإذا كان غير صحيح فالحمد لله أن هذه الصحيفة ليست واسعة الانتشار ، وإلا لأصبح الأزواج بعضهم عزابا عندما تقرأ بعض النسوة هذه الفتوى ؟ .
فأجاب :
هذه الفتوى غير صحيحة ، ولا عمل عليها ؛ فقد كانت النساء الصحابيات يخدمن أزواجهن كما أخبرت بذلك أسماء بنت أبي بكر عن خدمتها للزبير بن العوام ، وكذا فاطمة الزهراء في خدمة علي رضي الله عنهما وغيرهما ، ولم يزل عُرف المسلمين على أن الزوجة تخدم زوجها الخدمة المعتادة لهما في إصلاح الطعام وتغسيل الثياب والأواني وتنظيف الدور ، وكذا في سقي الدواب وحلبها ، وفي الحرث ونحوه ، كلٌّ بما يناسبه ، وهذا عُرفٌ جرى عليه العمل من العهد النبوي إلى عهدنا هذا من غير نكير ، ولكن لا ينبغي تكليفها بما فيه مشقة وصعوبة ، وإنما ذلك حسب القدرة والعادة ، والله الموفق .
" فتاوى المرأة المسلمة " ( 2 / 662 ، 663 ) .
وانظري جواب السؤالين : ( 12539 ) و ( 10680 ) .
7. حكم التمثيل ومشاهدة الأفلام .
قولكِ : " مشاهدة الأفلام والتمثيل : لا أرى حرمة لها " .
ولا شك أن هذا خطأ ، وفي الأفلام كثير من المنكرات كخروج النساء سافرات ، وقصص الحب والعشق المحرم ، وشرب الخمور ، والعلاقات المحرَّمة ، وإشاعة الجريمة والجرأة على الأخلاق الفاضلة .
وللتفصيل : ينظر جواب السؤالين : ( 21227 ) و ( 13956 ) .
8. قولكِ " يريد مني ترك سماع الأغاني وعدم مشاهدة الأفلام والتمثيل ، وعدم لبس البنطلونات ولبس عباءة الرأس " .
أما المعازف والأغاني : فينظر تفصيل الحكم في حرمتهما : أجوبة الأسئلة : ( 43736 ) و ( 5000 ) و ( 5011 ) .
وينظر جواب السؤال رقم ( 8555 ) للوقوف على حكم لبس المرأة العباءة على الكتف .
وأما الأفلام والتمثيل : فقد سبقت الإحالة على الأجوبة التي فيها حكمهما .
ثالثاً :
وللإنصاف فقد جاء في سؤالك ذِكر شيء ينكره الخاطب وهو أمر جائز لكِ شرعاً ، وهو اشتراط والدكِ عليه الخادمة ، كما جاء في قولكِ " معترض بقوة على اشتراط والدي للخادمة في عقد القران " .
لكن لوجود الخادمة في البيت أحكام ومفاسد ، فانظري جواب السؤالين : ( 22980 ) و ( 26231 ) .
رابعاً :
هناك أشياء يطلبها الخاطب وهي صحيحة ، ليس لكِ أن تنكري شيئاً منها ، ومنها :
1. قولكِ " يريد مني التفرغ له ولأولاده ، ووقف حياتي عليهم والتوقف عن العمل ونسيان نفسي تماما وطي كل أحلامي في إكمال دراستي أو تحسين أدائي الوظيفي أو ممارسة أي نشاط آخر ، أو حتى الالتحاق بنادي صحي " .
فتفرغ المرأة لبيتها وأولادها وزوجها من أعظم أعمال المرأة ، وهو عمل ما يفوق في مدته وعظَم شأنه وحتى تكلفته المادية ما يقوم به الزوج من أعمال خارج المنزل .
وقد كثرت أصوات النساء في الغرب الداعيات إلى الرجوع بالمرأة إلى عملها الذي تحسنه ، والذي تحافظ فيه على مروءتها وكرامتها ، وهو عمل البيت ، والذي لا تكفيها ساعات النهار والليل للقيام به ، فكيف إن كانت مفرطة بكثرة الخروج من بيتها للعمل المستمر ؟! .
2. قولكِ " يريد مني ترك سماع الأغاني وعدم مشاهدة الأفلام والتمثيل ، وعدم لبس البنطلونات ولبس عباءة الرأس " .
وقد سبق التنبيه على هذه المسائل .
3. قولكِ " يرى أن كل الأماكن التي أتنزه فيها مع أهلي ( أسواق ، منتزهات على البحر ، مراكز ترفيهية ، حتى الكورنيش ) أماكن مختلطة ، لا يستطيع أن يأخذني إليها ) .
وهو صادق في كون تلك الأماكن مختلطة ، لكنه يمكنه التحرز عن أماكن الاختلاط في بعضها ، واختيار الزمان والمكان المناسبيْن للذهاب إلى تلك الأماكن .
ويجب أن تعلمي أن دافعه في عدم اصطحابك لتلك الأماكن هي غيرته عليكِ ، وهو أمر محمود وجوده في الزوج ، وليست هي غيرة سيئة كتلك التي يصاحبها التهمة والريبة ، بل هي غيرة محمودة ينبغي لك تشجيعه على وجودها وتنميتها فيه ، ويمكنك التلطف في طلب اختيار الأماكن المناسبة والأوقات الملائمة لزيارة تلك الأماكن أو بعضها .
وانظري جواب السؤال رقم : ( 8901 ) ففيه فتوى لعلماء اللجنة الدائمة في حكم الذهاب لأماكن الترفيه التي تكثر فيها المنكرات .
خامساً :
وأخيراً :
الحياة الزوجية حياة رائعة ، وهي قائمة على التفاهم والانسجام ، والله تعالى يجعل فيها بين الزوجين مودة ورحمة من أجل استمرارها وديمومتها .
وإذا رأت المرأة من نفسها أو ممن تقدم لها عدم الانسجام في المواقف والتلاقي في الأفكار : فإن من الأفضل أن تتأنى في إتمام ذلك الزواج ، وخاصة إذا حصلت خلافات قبل الدخول ، أو حول أمور يصعب على كل من الطرفين أن يتقبل وجهة نظر الآخر فيها ، أو يتفهم موقفه ، أو يستغني عنها في حياته ، فهنا يصبح الإقدام على إتمام ذلك الزواج مخاطرة غير مأمونة.
والذي ننصحك به : هو إصلاح نفسكِ وترك الأفعال المحرَّمة التي نبهناكِ عليها – ولا علاقة لهذا التنبيه بالزواج فهي حرام حتى لو لم تتزوجي - ، وبعدها يمكنك التفاهم مع خطيبك على ما يحل لك شرعاً ، فإن رضي بهذا التفاهم وانشرح صدره له ، وذلَّل العقبات : فلعل الاستمرار في الزواج أن يكون خيراً للطرفين ، وإن رضيتِ لنفسك الاستمرار فيما نبهناكِ عليه مما لا يحل لك شرعاً فعله : فإننا لا ننصحه بالتزوج منك ، ومن حقه بل من الواجب عليه أن لا يفعل .
واعلمي أن السعادة هي في طاعة الله سبحانه وتعالى ، وأن الموفَّق للطاعة يجعل الله تعالى صدره منشرحاً ، وإذا وفق الله تعالى الطائع لزواج مبارك وأسرة طيبة : فإنه يكون في جنَّة قبل جنَّة الخلد ، فاحرصي على الطاعة ، وابحثي عن زوج يرعى حدود الله تعالى ، فإن الخير كل الخير لك في الدنيا هو في البحث عن رضا الله تعالى .
وللأهمية : نرجو منكِ النظر في جواب السؤالين : ( 33710 ) و ( 22397 ) .
والله الموفق
تعليق