الحمد لله.
أولا :
الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين ، ولا تسقط عن أحد ما دام عقله معه ، فمن استطاع أن يصلي قائما لزمه ذلك ، وإلا صلى قاعدا ، أو على جنب ، أو يومئ إيماء ، حسب استطاعته ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين : ( صَلِّ قَائِمًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ ) رواه البخاري (1117) .
ومن صلى جالسا فإنه يومئ بالركوع والسجود ، ويجعل السجود أخفض من الركوع .
فإن عجز عن تحريك رأسه ، فهل يومئ بعينه ، أم تسقط عنه الصلاة ، أم تسقط عنه الأفعال فقط دون الأقوال ؟ الراجح : الثالث .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " والراجح من هذه الأقوال الثلاثة : أنه تسقط عنه الأفعال فقط ، لأنها هي التي كان عاجزا عنها ، وأما الأقوال فإنها لا تسقط عنه ؛ لأنه قادر عليها ، وقد قال الله تعالى : (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/16، فنقول : كَبِّرْ واقرأ ، وانو الركوع فكبر وسبح تسبيح الركوع ، ثم انو القيام وقل : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد ، إلى آخره ، ثم انو السجود فكبر وسبح تسبيح السجود ، لأن هذا مقتضى القواعد الشرعية ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) فإن عجز عن القول والفعل بحيث يكون الرجل مشلولا ولا يتكلم فماذا يصنع ؟ الجواب : تسقط عنه الأقوال والأفعال ، وتبقى النية ، فينوي أنه في صلاة ، وينوي القراءة ، وينوي الركوع والسجود والقيام والقعود ، هذا هو الراجح ؛ لأن الصلاة أقوال وأفعال بنية ، فإذا سقطت أقوالها وأفعالها بالعجز عنها بقيت النية ، ولأن قولنا لهذا المريض : لا صلاة عليك قد يكون سببا لنسيانه الله ، لأنه إذا مر عليه يوم وليلة وهو لم يصل فربما ينسى الله عز وجل ، فكوننا نشعره بأن عليه صلاة لابد أن يقوم بها ولو بنية ، خير من أن نقول : إنه لا صلاة عليه ". انتهى من "الشرح الممتع" (4/469).
وبناء على ذلك ، فالمسئول عنه إن وصل إلى مرحلة لا يمكنه فيها أداء الصلاة بوجه من الوجوه السابقة ، فهو معذور ، ولا شيء عليه .
وسواء كان معذورا أو غير معذور ، فإن من ترك شيئاً من الصلوات المكتوبة لا يصلي عنه أحد ، وبهذا قال الأئمة الأربعة ( أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ) رحمهم الله تعالى .
انظر : "الموسوعة الفقهية" (2/334)
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : توفيت والدتي بعد أن عانت من المرض رحمها الله كل معاناة ، ومكثت عشرة أيام بدون صلاة ، أوقات تنتابها غيبوبة ، وأوقات تفيق ، ولم تصل هذه الأيام . فهل أصلي عنها ، أم ماذا أفعل لها ؟ وهل تجوز الصلاة على روح الميت ؟
فأجابوا : " لا يجوز أن تقضى الصلاة عن الميت ؛ سواء تركتها بعذر أو بغير عذر ، ولا أن يصلى بنية أن يكون ثواب الصلاة للميت ؛ لأن الشرع لم يرد بذلك ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) أخرجه مسلم في صحيحه " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (9/65)
وجاء فيها أيضا (25/257) : " إذا كان والدك حين مرضه يغيب وعيه ولا يعقل شيئا فإن الصلاة تسقط عنه ، وهو ليس مكلفا في هذه الحالة ؛ لأن مناط التكليف بالصلاة العقل ، وقد زال عنه ، أما إن كان لا يزول عنه وعيه ولا عقله ، ولكن ترك الصلاة جهلا منه أنها تجب على مثله قدر استطاعته ، فلعل الله أن يعفو عنه ويعذره بجهله ذلك ، وعدم من يبين له الحكم الشرعي حتى مات - رحمه الله وعفا عنه ، وفي كلتا الحالتين لا يجوز لك أن تصلي عن والدك شيئا من الصلوات ؛ لأنه لا يصلي أحد عن أحد ، والأصل أن الصلاة لا تدخلها النيابة ، أما حجك وعمرتك عن والدك فذلك من البر به والإحسان إليه ، وأن تتصدق عنه بين الحين والآخر ، وأن تدعو له وتستغفر له وتصل رحمه وأصدقاءه وتحسن إليهم ، فإن ذلك من البر بوالدك بعد موته ، ولك الأجر والثواب الجزيل إن شاء الله على ما تبذله في سبيل ذلك " انتهى .
والحاصل أن هذا الميت لا يصلى عنه ، وليس هناك كفارة لما تركه من الصلوات ، وينبغي الدعاء له ، والصدقة عنه .
والله أعلم .
تعليق