الحمد لله.
أوجب الشرع على المسلم تعلم العلم الشرعي .
عن أنس بْنِ مَالِكٍ قَالَ :عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنه قالَ : ( طَلَبُ العِلْمِ فَرِيْضَةٌ عَلَىْ كُلِّ مُسْلِمٍ ) . رواه ابن ماجه ( 224 ) .
وحسَّنه بكثرة طرقه وشواهده : المزي والزركشي والسيوطي والسخاوي والذهبي والمناوي والزرقاني ، وهو في " صحيح ابن ماجه " للألباني .
ومن ضعَّف هذا الحديث ، كالإمام أحمد وغيره من الأئمة المتقدمين [ انظر : المنتخب من العلل للخلال ص (128-129) ، وحاشية المحقق ] ؛ فإن معناه مستقيم عندهم ، وإن كان إسناده لا يثبت .
قال الإمام إسحاق بن راهويه ، رحمه الله : " طلب العلم واجب ، ولم يصح فيه الخبر ؛ إلا أن معناه : أن يلزمه طلب علم ما يحتاج إليه من وضوئه وصلاته وزكاته إن كان له مال ، وكذلك الحج وغيره ، قال : وما وجب عليه من ذلك لم يستأذن أبويه في الخروج إليه وما كان منه فضيلة لم يخرج إلى طلبه حتى يستأذن أبويه "
قال ابن عبد البر رحمه الله : " يريد إسحاق ، والله أعلم ، أن الحديث في وجوب طلب العلم في أسانيده مقال لأهل العلم بالنقل ، ولكن معناه صحيح عندهم ، وإن كانوا قد اختلفوا فيه اختلافا متقاربا على ما نذكره ها هنا إن شاء الله "
جامع بيان العلم وفضله ، لابن عبد البر (1/52-53ـ ط الزهيري ) ، وانظر المنتخب من العلل ، حاشية المحقق .
قال علماء اللجنة الدائمة :
العلم الشرعي على قسمين : منه ما هو فرض على كل مسلم ومسلمة ، وهو معرفة ما يصحح به الإنسان عقيدته وعبادته ، وما لا يسعه جهله ، كمعرفة التوحيد ، وضده الشرك ، ومعرفة أصول الإيمان وأركان الإسلام ، ومعرفة أحكام الصلاة ، وكيفية الوضوء ، والطهارة من الجنابة ، ونحو ذلك ، وعلى هذا المعنى فسِّر الحديث المشهور ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ) .
والقسم الآخر : فرض كفاية ، وهو معرفة سائر أبواب العلم والدين ، وتفصيلات المسائل وأدلتها ، فإذا قام به البعض سقط الإثم عن باقي الأمة .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 12 / 90 ، 91 ) .
ولأجل ما ورد في طلب العلم والسعي في تحصيله من الفضائل ، كما في صحيح مسلم (2699) : ( وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ) ، جدَّ أولو الهمم العالية في طلبه ، ورحل كثير من العلماء حرصا على تحصيله ، بل إن بعضهم رحل من أجل سماع حديث واحد ! وقد جمع قصص هؤلاء الخطيب البغدادي في كتابه " الرحلة في طلب الحديث " ، واستمرت رحلات بعضهم ثلاثين أو أربعين سنة !
- وفضل طلب العلم يشمل بقاع الأرض كلها ، والرحلة في طلبه لم تكن لبلدٍ واحدٍ دون غيره ، بل كانت لأصقاع الدنيا ؛ قال عبد الله بن عبيد بن عمير : " كان يقال : العلم ضالة المؤمن يغدو في طلبه ، فإذا أصاب منه شيئا حواه " رواه ابن أبي شيبة في المصنف (8/322) .
- ولا نعلم حديثاً صحيحاً يذكر فضل طلب العلم في المدينة النبوية ، وقد وردت روايات في فضل طلب العلم في المسجد النبوي في المدينة النبوية ، لكنها ضعيفة لا تصح .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ جَاءَ مَسْجِدِي هَذَا لَمْ يَأْتِهِ إِلَّا لِخَيْرٍ يَتَعَلَّمُهُ أَوْ يُعَلِّمُهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَمَنْ جَاءَ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يَنْظُرُ إِلَى مَتَاعِ غَيْرِهِ ) .
رواه أحمد ( 14 / 257 ) وابن ماجه ( 223 ) .
والحديث صححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " ( 87 ) ، والراجح : أنه ضعيف ، وقد أعلَّه الدراقطني ، وضعَّفه شعيب الأرنؤوط .
سئل الإمام الدارقطني – رحمه الله - :
عن حديث المقبرى عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلِّمه : فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله ) .
فقال :
اختُلف فيه على سعيد المقبري ، فرواه أبو صخرة حميد بن زياد عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
خالفه عبيد الله بن عمر ، فرواه عن سعيد المقبري عن عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن كعب الأحبار قولَه ، ورواه ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن كعب الأحبار قولَه ، وقول عبيد الله بن عمر أشبه بالصواب .
" علل الدارقطني " ( 10 / 380 ، 381 ) .
ومع التسليم بصحة الحديث فإنه لا يصح تخصيص ذلك الفضل في مسجده صلى الله عليه وسلم ، بل يَحتمِل أنه بسبب أن العلم لم يكن له منطلق في زمنه صلى الله عليه وسلم إلا مسجده .
قال السندي في تعليقه على " سنن ابن ماجه " :
قوله ( من جاء مسجدي هذا ) : أراد مسجده ، وتخصيصه بالذِّكر : إما لخصوص هذا الحكم به ، أو لأنه كان محلا للكلام حينئذ ، وحكم سائر المساجد كحكمه .
انتهى
والله أعلم
تعليق