الحمد لله.
لن نبنيَ جوابنا على ما رأيتيه في منامكِ ، بل على الحقائق التي ذكرتيها في سؤالكِ مما كان في اليقظة ؛ لأن ما يُرى في المنام ليس شيئاً واحداً ، فبعضه يكون حلماً من الشيطان ، وبعضه يكون حديث نفْس ، ويظهر لنا أن الأمر عندك هو من حديث النفْس .
والذي ننصحك به ابتداء هو الحذر من : " التشكك الزائد " و " الخوف من المجهول " ! .
فأنتِ تتشككين في حقيقة توبة ذلك الخاطب ، وعندك أن بعض المعاصي لا يُتاب منها ، ولا يتركها صاحبها ! وتخافين من أن يؤدي الزواج به إلى التأثير عليكِ وجرك معه إلى أن تفعلي أفعاله !
وكلا الأمرين خطأ ، ولا ينبغي لك التخلق بمثل هذا ، وظننا بك حسنٌ ، وأنك تريدين القُرب من الله تعالى ، وأنك تسعين لنيل رضاه ، لكن ليس بمثل هذه الأشياء تتم الأمور .
فالرجل قد اعترف بأنه كان مبتلى ببعض المعاصي ، وذكر أنه لم يفعل الزنا ولم يتناول المخدرات ، وليس ثمة ما يُلزمه بالبوح بهذا أصلاً ، بل إننا نراه مخطئاً في فعله ، وكان الواجب عليه ستر نفسه ، والاكتفاء بذكر حاله الذي هو عليه الآن .
وقد ظهر منه – أيضاً – أمرٌ مستحسن لا يصدر إلا عن صادق في توبته – كما نراه والله أعلم بحقيقته – وهو إعطاؤك الجوال لتردي على تلك الفتاة المعاكسة وتمكينك من ذلك في غيرها ، وإننا لنعلم من حال كثير من التائبين أنه يلاحقهم شياطين الإنس من النساء والرجال لصدِّه عن التوبة ، وإرجاعه إلى حاله الأول ، وقد تكون بعض الفتيات ممن كان يعرفهن يفعلن ذلك ، وقد سلك طريقاً جيدة في التخلص منها ، وهو أنه جعلكِ تردين عليهن ، وهذا يدل على صدقه ، وعلى سلوكه طريقة ناجحة في التخلص منهنَّ .
ولا ينبغي لك " التشكك " في توبة الناس ، وإساءة الظن بهم ، والمسلم ليس له إلا ما ظهر من الناس ، وفي حال تقدم الراغب بالزواج لطلب فتاة : فإن من حقها السؤال عن دينه وخلقه ، ومعرفة ذلك من المقربين منه ، وليس لها ولا لأهلها البحث عن ماضيه ، والنبش في أحواله السالفة ، والعبرة بما هو عليه الآن ، لا ما عليه كان .
كما أنه لا ينبغي لك وضع العراقيل أمام الاقتران بشخص بحجة أنه قد يُفتن ، وأنك قد تفعلين مثل فعله بداعي التأثير عليك ، ولماذا كان الخوف من جهته ولم يكن من جهتك ؟، فكما أنه هو معرَّض للفتنة فكذلك الأمر بالنسبة لك ، فهل ضمنتِ العصمة من الفتنة ؟ .
ونلخص ما نريد قوله لكِ بنقاط محددة :
1. اقبلي من الخاطب ظاهر حاله ، ولا تلتفتي لماضيه الذي تاب منه ، وصدقيه في توبته .
2. احرصي على التزوج بصاحب الخلُق والدِّين ، فهو الذي يعينك على طاعة ربك ، ويأخذ بيدك لطريق الجنة .
3. ليكن خوفك من الانتكاس عن طريق الهداية دافعاً لك للاستقامة على دين الله تعالى ، وإصلاح باطنك ، كما تصلحين ظاهرك ، وأكثر ، وافعلي مثل ذلك مع زوج المستقبل ، أعينيه على طاعة الله تعالى ، وخذي بيده لطريق الاستقامة ، فاستثمري خوفك من الانتكاس إلى برنامج لتثبيت الإيمان وزيادته .
4. ليس ثمة من هو معصوم عن الفتنة ، فلا تظني بنفسك خيراً ، وبالناس شرّاً ، والثقة بالنفس قد تؤدي إلى الغرور ، وإساءة الظن بالآخرين قد تؤدي إلى العيش في ظلمة حالكة ، لا يرى الإنسان فيها حتى نفسه ، فضلا أن يرى الطريق أمامه ، أو يرى غيره .
5. صارحي أهلك بحقيقة تراجعك عن رفضه ، ولا تجعلي ذلك لنفسك دونهم ، فالقبول والرفض كما أنه حق لك ، فهو حق لهم كذلك ، ولن يكون موقفهم حسناً لو أنه رجع ليطلبك دون أن يكون عند أهلك سابق علم بتراجعك عن قرارك الأول .
6. اجعلي أحد أفراد أهلك من الرجال يتثبت من الخاطب ، ويسأل عنه من يعرفه ، ويتحرى عن حاله واستقامته ، لاسيما فيما يتعلق بالمعاصي التي كانت منه في ماضيه ، فالذي تاب من تلك السبيل ، وسلك طريق الهداية ، لا يخفى حاله إن شاء الله : من استقامته في خلقه ، وحرصه على صلاة الجماعة في حيه ، وخاصة صلاة الفجر .
07 ليكن الحكم على اختيارك ، هو ما يظهر لك من دينه وخلقه ، وصلاحيته لأن يكون لك زوجا ؛ تأمنين معه على دينك وعرضك ، بحسب ما فصلناه من قبل ؛ وليس الدافع أن يهديه الله على يديك ؛ فتأثير الرجل على امرأته أشد من تأثيرها عليه ، لاسيما في ناحية الهداية والاستقامة ، فإن لم تطمئني إلى حسن حاله وصدق توبته ، فلا ننصحك حينئذ بالإقدام على الاقتران به .
7. في حال اطمئنانك إليه ، يمكنك إبلاغ ذلك الخاطب أن يتقدم لك ، عن طريق أحد أفراد أهلك ، أو عن طريق واسطة من النساء تعرفينها وتثقين بها ، وتكون من محارمه .
8. لا يجوز لك الكلام معه على الماسنجر ، ولا غيره من وسائل الاتصال والمراسلة ، وقد ذكرنا في الموقع فتاوى كثيرة لأهل العلم في تحريم ذلك ، ولا تغتري بتزيين الشيطان أن ذلك سيكون في حدود ما يرضي الله ، أو أن ذلك سيكون مرة واحدة أو مرتين فقط ، فهذا من طرق الشيطان ليوقع المسلم فيما لا تُحمد عقباه من المخالفة والآثار السيئة في الدنيا على حياته .
9. إذا لم يتيسر أمر ذلك الخاطب : فلعل ذلك أن يكون خيراً لك وله ، فاستفيدي مما حصل ، ودوامي على الدعاء بأن ييسر الله لك أمرك ، فلا غنى للعبد عن ربه .
والله الموفق
تعليق