الحمد لله.
إقامة المحاضرات والندوات واللقاءات للحديث عن المتوفى من العلماء أو الصالحين أو أهل الخير والإحسان جائز لا حرج فيه .
ولكن ينبغي التقيد بالشروط الآتية :
1- أن يكون الغرض منها حث الناس على الخير ، وشكر أهله ، والاستفادة من الجوانب المنيرة في حياة الشخصية المتحدث عنها ، وتعريف الناس بها لتشجيعهم على الاقتداء بأخلاقها وفضائلها .
ولا يكون الغرض إثارة الأحزان والأشجان ، وتذكر المصائب والآلام ، لاستنزال الدموع واستثارة القلوب ، فليست هذه الأمور من الشريعة في شيء ، بل هي مضادة لما ندبت إليه من الصبر على المصائب ، والرضا بقضاء الله وقدره .
2- ألا تجعل هذه اللقاءات عيدا يتكرر في كل عام ، فإن المسلمين لا عيد لهم إلا عيد الفطر وعيد الأضحى فقط ، ولا يجوز استحداث أي عيد في أي مناسبة غير ما جاء في الشرع .
3- أن يقتصر على كلمة الحق وقول الصدق ، من غير مبالغة ولا مفاخرة ، فإذا كان المتوفى مِن أهل الصلاح والعلم والخير يذكر ما قدمه لأمته ودينه ، ولا يراد بهذا الذكر إلا وجه الله تعالى وحث الناس على الخير ، وليس التقرب لمنصب ولا التزلف لولاية ولا التعصب لحزب أو جماعة ، وأما إن كان من أهل المعاصي والشبهات ، أو ممن خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فلا يجوز تغرير الأمة بأمثالهم ، ولا يحل الكذب في مدحهم والثناء عليهم بما ليس فيهم ، والواجب تفويض أمرهم إلى الله تعالى .
4- ألا يصاحب هذه اللقاءات شيء من المنكرات ، من عادات النياحة أو تعليق الصور أو استعمال المعازف ، كما لا يجوز ربط هذه اللقاءات بليالي محددة كالأسبوع أو الأربعين ونحوها من الخرافات المنتشرة بين العوام .
جاء في "الفتاوى الفقهية الكبرى" لابن حجر الهيتمي (2/18) :
" قول ابن عبد السلام : بعض المراثي حرام ، كالنوح ؛ لما فيه من التبرم بالقضاء ، إلا إذا ذكر مناقب عالم ورع أو صالح للحث على سلوك طريقته وحسن الظن به ، بل هي حينئذ بالطاعة والموعظة أشبه ، لما ينشأ عنها من البر والخير ، ومن ثَمَّ ما زال كثير من الصحابة وغيرهم من العلماء يفعلونها على ممر الأعصار من غير إنكار " انتهى .
وجاء في تهذيب وترتيب ابن الشاط لكتاب "الفروق" للقرافي (2/180-182) :
" الْحَقُّ أَنَّ كُلًّا مِنْ النُّوَاحِ وَالْمَرَاثِي عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : حَرَامٌ كَبِيرَةٌ ، وَحَرَامٌ صَغِيرَةٌ ، وَمُبَاحٌ ، وَمَنْدُوبٌ .
أَمَّا ضَابِطُ مَا هُوَ حَرَامٌ كَبِيرَةٌ مِنْ النُّوَاحِ وَالْمَرَاثِي :
فكل كلام يقرر في النفوس نسبة الرب سبحانه وتعالى إلى الظلم في قضائه وقدره ، حيث يبالغ في تعداد فضائل الميت ومناقبه وأعماله التي انقطعت بموته ، مما يعني أن موته كان مفسدة عظيمة ، وأن الأصلح كان بقاؤه حيا .
وَأَمَّا ضَابِطُ مَا هُوَ حَرَامٌ صَغِيرَةٌ :
فكل كلام يهيج الأحزان ويؤدي إلى الضجر وعدم الصبر ، وقد يؤدي إلى ضرب الخدود أو شق الثياب .
وَأَمَّا ضَابِطُ مَا هُوَ مُبَاحٌ مِنْ النُّوَاحِ وَالْمَرَاثِي :
فكل كلام ليس فيه إلا ذكر دين الميت وأنه انتقل إلى دار الجزاء ، وأن جميع الخلق سيواجهون المصير نفسه .
وَأَمَّا ضَابِطُ الْمَنْدُوبِ مِنْ النُّوَاحِ وَالْمَرَاثِي :
فكل كلام فيه أمر أهل الميت بالصبر وحثهم عليه " انتهى باختصار وتصرف .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
ما أصل الذكرى الأربعينية ، وهل هناك دليل على مشروعية التأبين ؟
" أولا : الأصل فيها أنها عادة فرعونية ، كانت لدى الفراعنة قبل الإسلام ، ثم انتشرت عنهم وسرت في غيرهم ، وهي بدعة منكرة لا أصل لها في الإسلام ، يردها ما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) رواه البخاري (2550).
ثانيا : تأبين الميت ورثاؤه على الطريقة الموجودة اليوم ؛ من الاجتماع لذلك ، والغلو في الثناء عليه ، لا يجوز ؛ لما رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المراثي .
ولما في ذكر أوصاف الميت من الفخر غالبا ، وتجديد اللوعة وتهييج الحزن .
وأما مجرد الثناء عليه عند ذكره ، أو مرور جنازته ، أو للتعريف به بذكر أعماله الجليلة ونحو ذلك مما يشبه رثاء بعض الصحابة لقتلى أحد وغيرهم ، فجائز ؛ لما ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا . فقال صلى الله عليه وسلم : وجبت ، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا فقال : وجبت . فقال عمر رضي الله عنه : ما وجبت ؟ قال : هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة ، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار ، أنتم شهداء الله في الأرض ) – متفق عليه – " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (9/154-155) .
وقد استحب بعض أهل العلم المعاصرين أن يكون تنظيم هذه اللقاءات والمحاضرات بعد فترة طويلة من الوفاة ، كي لا تتجدد الأحزان .
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين : يتم في بعض المساجد تخصيص خطبة يذكر فيها محاسن الميت ومآثره ، مثل عالم أو داعية ، فما حكم هذا الفعل ؟
الجواب :
"رأيي ألا يفعل ؛ لأنها في قرب موت العالم أو الداعية تعتبر من النعي , ولهذا تُهَيِّج الناس ويبكون , أما لو كان بعد مدة طويلة وبعد ما تنسى المصيبة وتذكر مآثره كتاريخ له فهذا لا بأس به , لأن العلماء كلهم يكتب عنهم مآثرهم وآثارهم , أما أن يقصد بها التهييج والتحزن على فقد هذا ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النعي ، وهو من النعي , وإذا جاءت بِرَنَّةٍ معينة صار من الندب أيضاً " انتهى .
"لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم/207، سؤال رقم/15) .
والحاصل : أن تنظيمكم اللقاء الاستذكاري للحديث عن رئيس الجمعية لا حرج فيه إذا التزمت الشروط السابقة .
والله أعلم .
تعليق