الحمد لله.
أولاً:
الأولى تسمية أولئك الكفار الذين جعلوا المسيح بن مريم إلهاً أو ابن الإله " نصارى " ، كما سماهم الله تعالى في كتابه ، فالمسيحيون هم أتباع المسيح عليه السلام الذين شهدوا له بالرسالة ، ولربهم تعالى بالألوهية والربوبية .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
شاع منذ زمن استخدام كلمة مسيحي , فهل الصحيح - يا سماحة الشيخ - أن يقال : " مسيحي " ، أو " نصراني " ؟ أفيدونا أثابكم الله .
فأجاب :
معنى " مسيحي " : نسبة إلى المسيح بن مريم عليه السلام , وهم يزعمون أنهم ينتسبون إليه ، وهو بريء منهم , وقد كذبوا ، فإنه لم يقل لهم إنه ابن الله ، ولكن قال عبد الله ورسوله ، فالأولى أن يقال لهم : " نصارى " ، كما سماهم الله سبحانه وتعالى , قال تعالى : ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ) الآية .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 5 / 416 ) .
ثانياً:
لا يجوز لكم دخول المطاعم التي تقدِّم في وجباتها أشياء محرمة كلحم الخنزير ، أو الخمور ؛ وذلك لعدة أسباب :
1. أن تلك المطاعم فيها منكرات ظاهرة ، وليست ثمة ضرورة لدخول مكان يُعصى فيه الله تعالى بتقديم أطعمة وأشربة نصَّ الله على تحريمها ، وأجمع المسلمون على القول بالحرمة .
2. الأصل في المسلم أن ينكر المنكر الذي يراه بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وإذا كنتم عاجزين عن الإنكار باليد واللسان : فإنكم غير عاجزين عن الإنكار بالقلب ، ومن مقتضى الإنكار بالقلب : مفارقة مكان المعصية ، وهذا لا يلتقي مع فعلكم في الذهاب والجلوس في مكان المعصية .
قال تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً ) النساء/140 .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) . رواه مسلم ( 49 ) .
3. أنكم قد تأكلون طعاماً لا تستطيعون الجزم بأنه حلال ؛ وذلك من وجهين :
أ. تقديم لحوم غير مباحة في الشرع ، أو وضع شيء من طعامهم وشرابهم المحرَّم في طعامكم المباح .
ب. عدم غسل أوانيهم التي يطبخون فيها لهم ولكم ، وقد تكون تحتاج لغسل بسبب مخالطة المواد المحرمة أو النجسة لها .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
ما حكم الأكل في آنية الكفار ؟ .
فأجاب :
قال عليه الصلاة والسلام ( لا تأكلوا في آنيتهم إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها ) ، وقال عليه الصلاة والسلام ذلك من أجل أن يبتعد المسلم عن مخالطة الكفار , وإلا : فالطَّاهر منها طاهر, يعني : لو طهي فيها الطعام , أو غيره : فهي طاهرة , لكن النبي صلي الله عليه وسلم أراد أن لا نخالطهم , وألا تكون أوانيهم أواني لنا , فقال صلى الله عليه وسلم ( لا تأكلوا فيها إلا ألا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها ) , وكلما ابتعد الإنسان عن الكفار : فهو خير ، ولا شك .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 15 / جواب السؤال رقم 1181 ) .
وانظر تفصيلاً وافياً لهذا في جواب السؤال رقم ( 65617 ) .
4. أن في تناولكم للطعام في تلك المطاعم تزكية لها ، وقد يأتيها بعض المسلمين بناء على هذا فتضعف نفوسهم فيتناولون المحرمات فيها ، أو – على الأقل – يظنون جواز الأكل والشرب في آنيتهم ، أو بإضافة القليل من المحرمات في الطعام .
5. أن في الأكل في تلك المطاعم مخالطة للكفار ، وتكثيراً لسوادهم .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
ما هو رأي الدين في دخول " بار " يعني : مطعم ومشرب ، يحتوي البار على المأكولات والمشروبات الروحية ، وكان الهدف هو تناول الطعام فقط ؟ .
فأجاب :
هذا السؤال يتضمن شقين :
الشق الأول : هذه التسمية الباطلة للشراب الخبيث ، وهو الخمر ، فإن تسميته بالشراب الروحي تسمية باطلة ، فأي شيء هو للروح ؟ بل هو الشراب الخبيث المفسد للعقل والدين والنفس ، ولا ينبغي مثل هذا أن يُوصف بهذا الوصف الجذاب الذي يضفي عليه ثوب المشروعية ، بل ثوب الترغيب والدعوة إليه ، لهذا ينبغي أن نسميه الشراب الخبيث ، بل هو أم الخبائث ، ومفتاح كل شر .
والشق الثاني : دخوله هذا المطعم الذي تدار فيه كؤوس الخمر ، وهذا لا يجوز ، بل هو محرَّم ؛ لأن الإنسان الذي يأتي إلى مكان يُعصى فيه الله عز وجل : فإنه يُكتب له مثل إثم الفاعل ، قال الله تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ ) .
ولكن إذا كنت في ضرورة - ولا أعتقد أن تكون في ضرورة - إلى أن تتناول طعامك من هذا المكان المشتمل على الخبائث : إن كنت في ضرورة : فاشترِ طعاماً ، وابتعد عن هذا المكان ، وكلْه ، وإن كنتَ تجد طعاماً آخر من مكان آخر لا يشتمل على هذا الخبيث : فإن ذلك هو الواجب عليك .
" فتاوى نور على الدرب " / البيوع .
وبالنسبة لحال السائلة ، فلا يظهر لنا أنها في حال الضرورة ، بل ولا في حال الحاجة إلى هذه المطاعم ، فما حاجة الإنسان – وهو في بلده – إلى الأكل من المطاعم ، أصلا؟!
ثم إن قدر أن الإنسان خارج بيته ، واحتاج إلى طعام ، فيمكنه الاستغناء بشيء من المأكولات اليسيرة والتي تباع في البقالات العادية ، يتقوت بها إلى أن يرجع إلى بيته ، فيأخذ حاجته من الطعام !!
إن دين المسلم أعز عليه من كل غال ونفيس ، ويبذل – دونه – روحه ودمه ، فهل يليق به أن يجعله رهينة لكل عارض وشهوة يبحث – من أجلها- عن الترخص في دينه ، او التلاعب بأحكامه ، حتى ولو كان عارض الأنس مع الصديقات ؟!
( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) البقرة/229 ،
( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج/32 .
والله أعلم
تعليق