الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

التشكيل بالطين ما يجوز منه وما لا يجوز

98533

تاريخ النشر : 22-05-2007

المشاهدات : 18099

السؤال

أنا رسامة ، وفي الآونة الأخيرة اتجهت نحو التشكيل بالطين ، كما أنني سمعت من أشخاص أن التشكيل بالطين حرام ، لكنني أشكل على هيئة لوحات مسطحه تكون كاللوحة التشكيلية المرسومة بالفرشاة ، وهل التشكيل للمساجد أو البيوت بالطين كمثل حكم الشرع في التشكيل للطير والإنسان ؟ .

الجواب

الحمد لله.


التشكيل بالطين هو نوع من أنواع التصوير ، ومنه ما هو جائز ، ومنه ما هو محرَّم ، والمحرم منه هو ما كان تشكيلاً لذوات الأرواح من الإنس والبهائم ؛ لقوله صلى الله عليـه وسلــم عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِي الدُّنْيَا كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ ) . رواه البخاري ( 2112 ) ومسلم ( 2110 ) .
وأما الجائز منه : فهو ما كان لغير ذوات الأرواح ، فيجوز التشكيل بالطين مساجد وبيوتاً وأشجاراً وغير ذلك مما ليس فيه الروح .
قال علماء اللجنة الدائمة : " مدار التحريم في التصوير كونه تصويراً لذوات الأرواح ، سواء كان نحتاً ، أم تلويناً ، في جدار ، أو قماش ، أو ورق ، أم كان نسيجاً ، وسواء كان بريشة ، أم قلم ، أم بجهاز ، وسواء كان للشيء على طبيعته ، أم دخله الخيال فصغر أو كبر أو جُمِّل ، أو شُوِّه ، أو جعل خطوطا تمثل الهيكل العظمي ، فمناط التحريم : كون ما صور من ذوات الأرواح ، ولو كالصور الخيالية التي تجعل لمن يمثل القدامى من الفراعنة وقادة الحروب الصليبية وجنودها وكصورة عيسى ومريم المقامتين في الكنائس.. إلخ، وذلك لعموم النصوص ولما فيها من المضاهاة ولكونها ذريعة إلى الشرك " .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 1 / 696 ) .
كما لا يجوز التشكيل بالطين لأماكن البدع مما يعظمه الناس بغير وجه حق كالمعابد والقبور ، وأماكن المعاصي كالبنوك والمسارح .
قال علماء اللجنة الدائمة : " لا يجوز إنتاج المجسمات الفنية للحرمين الشريفين ؛ لما قد تشتمل عليه من صور لمن بالحرم المكي من الطائفين والمصلين ، ولمن بالمسجد النبوي والقراء وغيرهم ، ولخروج صورة القبة الخضراء مع صورة المسجد النبوي ، مما يدفع بعض الناس إلى الاعتقاد في القباب وأهلها ، وهذا يفضي إلى الشرك الأكبر ، ولما يفضي إليه ذلك من مفاسد أخرى أعاذنا الله منها " .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، عبد الله بن قعود .
فتاوى اللجنة الدائمة ( 1 / 476 ) .
وفي كتاب الله تعالى إشارة إلى أن تشكيل الطين على هيئة ذوات الأرواح محرَّم ، وذلك في قوله تعالى : ( إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي ) المائدة/110.
ومن تأمل في هذه الآية علم معنى ( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي ) إذ فيها إشارة بيِّنة على حرمة تشكيل الطين على هيئة الطير – ومثله كل ما فيه الروح – وأن ما فعله عيسى عليه السلام فإنما كان بإذن الله ، فكلا الأمرين كان بإذن الله : الخلق والنفخ ، وقوله تعالى ( بِإِذْنِي ) يدل على المنع من فعل حتى في شريعة عيسى عليه السلام .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله – في بيان أوجه عبودية المسيح وأنه مخلوق لا خالق - :
الوجه الثاني : أنه خَلق من الطين كهيئة الطير ، والمراد به : تصويره بصورة الطير ، وهذا الخلق يقدِر عليه عامة الناس ، فإنه يمكن أحدهم أن يصوِّر من الطين كهيئة الطير ، وغير الطير من الحيوانات ، ولكن هذا التصوير محرَّم ، بخلاف تصوير المسيح ؛ فإن الله أذن له فيه ، والمعجزة أنه يَنفخ فيه الروح فيصير طيراً بإذن الله عز وجل ، ليس المعجزة مجرد خلقه من الطين ؛ فإن هذا مشترك ، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المصوِّرين ، وقال : ( إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون ) .
الوجه الثالث : أن الله أخبر المسيح أنه إنما فعل التصوير والنفخ بإذنه تعالى ، وأخبر المسيح عليه السلام أنه فعله بإذن الله ، وأخبر الله أن هذا من نعمه التي أنعم بها على المسيح عليه السلام كما قال تعالى : ( إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ) .
" الجواب الصحيح " ( 4 / 46 ، 47 ) .
والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب