الحمد لله.
أولاً:
إن صحَّ ما نقله المؤذن عن ذلك الإمام الفاجر فهو على خطر عظيم ، ويُخشى عليه من الردة ، أو سوء الخاتمة ، ووجه ذلك :
1. أنه اتخذ بيت الله تعالى مكاناً لفجوره ، وقبح أفعاله ، وقد أمر الله تعالى بتعظيم بيوته وتطهيرها ، وجعلها الله تعالى للصلاة والدعاء والاعتكاف ، فأن تتخذ مكاناً للفجور مع النساء فهذا غاية في القبح ، ولم يفعله المنافقون في مسجدهم مسجد الضرار !
قال تعالى : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ ) النور/ 36 ، والبيوت في الآية هي : المساجد .
قال ابن كثير رحمه الله :
" أمَر الله برفعها ، أي : بتطهيرها من الدنَس ، واللغو ، والأفعال والأقوال التي لا تليق فيها ..وقال قتادة : هي هذه المساجد ، أمر الله سبحانه ببنائها ، ورفعها ، وأمر بعمارتها ، وتطهيرها ...وقد وردت أحاديث كثيرة في بناء المساجد ، واحترامها ، وتوقيرها ، وتطييبها ، وتبخيرها " انتهى " تفسير ابن كثير " ( 6 / 62 ) .
2. والأمر الآخر : افتخاره بالمعصية وتبجحه بها ، والمعلوم أن فعل المعصية بالخفاء مع الخوف من الله ليس كفعلها مجاهرة ، مع التبجح بها والافتخار .
وانظر جواب السؤال رقم ( 9562 ) ففيه بيان وعيد الذي يتباهى ويتفاخر بمعصيته .
ثانياً:
الواجب عليكم بذل النصح له ، والأخذ على يده ، فيذهب إليه بعض أهل العلم وكبار السن فيبذلون له النصح ، ويبينون له خطر فعله ، وأنه قدوة لا يصلح أن يصدر منه هذا ، وأن الناس تتأثر بإمام المسجد فينظرون لأفعاله على أنها تطبيق لما يقرأ من القرآن على أن يكون ذلك باللطف والحكمة .
فعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ، قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ : لِلَّهِ ، وَلِكِتَابِهِ ، وَلِرَسُولِهِ ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَعَامَّتِهِمْ ) رواه مسلم ( 55 ) .
فإن استجاب لهذا النصح وترك ما هو عليه من الفجور وسماع المنكرات : فنعم الفعل فعله ، ولكم الأجر على ذلك ، أما إن رد عليكم نصحكم ، واستمر في غيه وانحرافه : فتنتقلون للخطوة الثانية :
1. التقدم بشكوى إلى الجهات المسئولة ، على أن تكون موقعة من جميع المصلين بالمسجد ، ويُرجى أن يتخذ المسئولون الإجراء المناسب له من إنذاره ، أو فصله من وظيفته .
2. منعه من الإمامة ، إن أمكنكم ذلك ولم يترتب عليه مفسدة ، أو منازعات بين المصلين . وقد منع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً أن يصلي إماماً بقومه من أجل أنه أمّ جماعة فبصق في القبلة . وقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّكَ آذَيْتَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) رواه أبو داود (481) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود .
والمنكرات التي يفعلها إمامكم أعظم من البصق في القبلة وهو يصلي .
3. فإن لم يمكن ذلك فإنكم تتركون الصلاة خلفه إنكاراً عليه ، فإن لم يتيسر لكم مسجد آخر تصلون فيه : فلا حرج عليكم من الصلاة خلفه ، وإثمه على نفسه ، والصلاة وراء الفاسق الفاجر جائزة ، وصحيحة ، وهي خير من صلاة المرء وحده ، ولا يجوز ترك الجمعة والجماعة بحجة فسق الإمام وفجوره .
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
" وأما الصلاة خلف أهل الأهواء والبدع ، وخلف أهل الفجور : ففيه نزاع مشهور ، وتفصيل لكن أوسط الأقوال في هؤلاء : أن تقديم الواحد من هؤلاء في الإمامة : لا يجوز مع القدرة على غيره ، فإن من كان مظهراً للفجور أو البدع : يجب الإنكار عليه ، ونهيه عن ذلك ، وأقل مراتب الإنكار : هجره ؛ لينتهي عن فجوره ، وبدعته ، ولهذا فرَّق جمهور الأئمة بين الداعية وغير الداعية ؛ فإن الداعية أظهر المنكر فاستحق الإنكار عليه ، بخلاف الساكت فإنه بمنزلة من أسرَّ بالذنب ، فهذا لا ينكر عليه في الظاهر ، فإن الخطيئة إذا خفيت : لم تضر إلا صاحبها ، ولكن إذا أعلنت فلم تُنكر : ضرَّت العامة " انتهى " مجموع الفتاوى " ( 23 / 342 ) .
وقال رحمه الله :
" الأئمة متفقون على كراهة الصلاة خلف الفاسق ، لكن اختلفوا في صحتها ، فقيل : لا تصح ، كقول مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما ، وقيل : بل تصح ، كقول أبى حنيفة والشافعي ، والرواية الأخرى عنهما ، ولم يتنازعوا أنه لا ينبغي توليته " انتهى " مجموع الفتاوى " ( 23 / 358 ) .
وانظر جواب السؤال رقم (47884) .
ثالثاً:
وليعلَم هذا الإمام أن إثمه ليس كإثم غيره ، فهو على علم ومعرفة بالأحكام الشرعية ، وهو يقوم بالإمامة التي هي وظيفة الأنبياء والخلفاء والعلماء . وقد جاء الوعيد للإمام بعدم قبول صلاته إن كان من يصلِّي وراءه يكرهونه لفسقه أو بدعته .
فعن أَبَي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ : الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ).
رواه الترمذي ( 360 ) ، وحسَّنه ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي " .
قال الشوكاني رحمه الله :
" وظاهر الأحاديث الواردة في وعيد من أمَّ قوما وهم له كارهون : أن صلاته غير مقبولة " انتهى " السيل الجرار " ( 1 / 255 ) .
فليحذر هذا الإمام من مغبة أفعاله ومعاصيه ، ونسأل الله تعالى له الهداية .
والله أعلم
تعليق