الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

تزوج بفتاة ثم اكتشف بها مرضا مزمنا ، فهل يجوز له مقاضاة ولي الفتاة حتى يسترجع مهره؟

تاريخ النشر : 08-08-2016

المشاهدات : 47564

السؤال


أنا شاب عمري 30 سنة ، تأخرت بزواجي ؛ لانشغالي بجمع مستلزمات الزواج ، واعتمدت على الله ثم نفسي ، تزوجت من فتاة ، وبعد مرور 25 يوما اكتشفت أن الفتاة مريضة بمرض مزمن ، ولم يخبروني به ، علما أني دخلت بها ، فقدمت دعوى قضائية بالمحكمة ، لفسخ العقد ، واعترفت الفتاة وأهلها بالمرض ، وأنهم أخفوا المرض عني ، بعد فترة طويلة قضى القاضي بالخلع ، وعند جداله بأنه يجب فسخ العقد واسترداد المهر لي ، قال : ينبغي عليك أن تشتكي على ولي الفتاة . الآن أنا في حيرة من أمري ، هل أشتكي وآخذ حقي الذي أخذوه مني بالغش ؟ وهو مبلغ كبير جدا، 25 مثقال ذهب ، والآن بهذا الوضع البنات تتزوج ب 5 مثقال فقط ، وهل في ذلك ظلم للفتاة من قبلي ؟ أم أترك الأمر لله ، وهو يعوضني خيرا ؟ أنا في حيرة ، وصدري وقلبي مليء بالضيق من الظلم الذي وقع علي ، أرجو إرشادي إلى ماهو صحيح ، وبأسرع وقت ممكن ، لأني لا أملك الوقت بالنسبة للمحكمة .

الجواب

الحمد لله.


نسأل الله سبحانه أن يلطف بك فيما نزل بك من بلاء ، وأن يخلف عليك فيما خسرته من مال ؛ إنه سبحانه غني كريم .
معلوم أنه إذا ظهر بالمرأة عيب منفِّر كان بها قبل الزواج ، وأخفته عن زوجها ، ولم يرض به الزوج بعد النكاح ، فإن ذلك يبيح للزوج فسخ النكاح ، كما سبق بيانه في الفتوى رقم : (228758).
وإذا كان الفسخ بعد الدخول : فلها المهر، ويرجع الزوج على وليها ويطالبه بالمهر ، إذا كان الولي عالما بذلك العيب .
وقد قرر ابن قدامة رحمه الله في " المغني " (10/62- 65) بعد أن ذكر أن الزوج له أن يفسخ النكاح إذا وجد عيبا في زوجته ذكر :
أَنَّ الْفَسْخَ إذَا وُجِدَ قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَلَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ ....
وأَنَّ الْفَسْخَ إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ ، فَلَهَا الْمَهْرُ ....
وأَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ .
قال :
" وهو مذهب أحمد وَمَالِك ، وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيمِ .
لمَا رَوَى مَالِكٌ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : (أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةِ بِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ ، فَمَسَّهَا ، فَلَهَا صَدَاقُهَا ، وَذَلِكَ لِزَوْجِهَا غُرْمٌ عَلَى وَلِيِّهَا)
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ عَلِمَ غَرِمَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ ، فَالتَّغْرِيرُ مِنْ الْمَرْأَةِ ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِجَمِيعِ الصَّدَاقِ" انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (12/229- 230) :
"فالتغرير إما إن يكون من الزوجة، بأن يكون بها عيب قد أخفته عن وليها، والولي عقد ، ودخل الزوج ووجد العيب ، فالغار الزوجة ، ووليها ليس عليه شيء؛ لأنه لم يعلم.
وإذا كان الولي عالماً ، وهي عالمة أيضاً، فعلى من يكون الضمان؟
إما عليهما بالتساوي، وإما على الولي ؛ لأن الغرور المباشر إنما حصل من الولي ؛ لأنه ليس من العادة أن المرأة تخرج إلى الزوج ، وتقول: إن فيها العيب الفلاني.
فالمسألة فيها احتمالان:
الأول: أن يكون بين الولي والمرأة؛ لأن كل واحد منهما حصل منه تغرير.
الثاني: أن يكون على الولي؛ لأنه هو المباشر للعقد، وكان عليه إذا علم أن في موليته عيباً أن يبينه، فالولي قال: زوّجتك، والزوج قال: قبلت .
وهذا هو الأرجح : أن يكون الضمان فيما إذا حصل التغرير من المرأة ووليها : على الولي".
ثم قال :
"فالأقسام أربعة:
إما أن يكون الغرور من المرأة وحدها، أو من الولي وحده، أو منهما، أو ليس من واحد منهما.
فإذا لم يكن من أحدهما : فلا يرد له المهر؛ لأنه لم يخدع، وقد استحل الفرج بعقد صحيح.
وإذا كان منها وحدها دون وليها : فالضمان عليها وحدها.
وإذا كان من وليها لا منها : فالضمان على الولي.
وإذا كان منها ومن وليها، فالراجح أن الضمان على الولي" انتهى .

وعلى هذا ، فما قاله لك القاضي صحيح ، فلك أن ترفع دعوى ضد ولي المرأة تطالبه فيها أن يرد إليك المهر ، وليس في هذا ظلم للفتاة ولا لأبيها ، لأنك تطالب بحقك .

وإن أردت أن تصبر وتحتسب راضية بذلك نفسك فهو خير وأفضل ، قال تعالى : ( وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) النحل/ 126 ، وقال سبحانه : ( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) النور/ 22 .
وقال الله تعالى بعد أن ذكر بعض أحكام الطلاق والمهر : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) البقرة /237 .
والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب