الحمد لله.
1. من حكَم الزواج الجليلة أن يجد الرجل فيه السكن لزوجته ، وأن تتحقق المودة والرحمة بينهما ، ولذا ذكر الله تعالى هذا النكاح من آياته الدالة على قدرته وعظمته ورحمته وحكمته .
قال تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الروم/ 21 .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
وجعل خلق الأزواج التي تسكن إليها الرجال وإلقاء المودة والرحمة بينهم آيات لقوم يتفكرون ؛ فإن سكون الرجل إلى امرأته وما يكون بينهما من المودة والتعاطف والتراحم : أمر باطن مشهود بعين الفكرة والبصيرة ، فمتى نظر بهذه العين إلى الحكمة والرحمة والقدرة التي صدر عنها ذلك : دلَّه فكرُه على أنه الإله الحق المبين الذي أقرَّت الفِطَر بربوبيته وإلاهيته وحكمته ورحمته .
" مفتاح دار السعادة " ( 1 / 186 ) .
2. والناس ليسوا كلهم سواء في الثقافة والعلم والفهم وحسن التصرف ، وهذا أمر مشاهد محسوس ، وهو بين الأزواج موجود ، فالأنبياء والمرسلون هم أعلم وأحكم وأتقى الناس في زمانهم وكان لهم زوجات دون ذلك بكثير ، ولم يمنع هذا من إقامة تلك البيوت على المودة والرحمة ، وقد نجح كثير من الرجال في هذا الأمر ، فالغالب أنهم أعلى ثقافة وفهماً من نسائهم ولم يكن هذا سبباً لتفرقهما وشتات أسرتهما ، فعلى المرأة أن تستوعب هذا إذا ما كانت هي الأعلى ثقافة والأحكم والأفهم ، وعليها أن تعلم أنها داخل بيتها مع زوجها وبين أولادها ليست في ندوة ثقافية ! بل هي الأم الرحيمة ، والزوجة الحنونة ، وعندها من الأعمال الجليلة ما يستغرق وقتها كله ، بل وتحتاج لأكثر مما هو موجود ، ولا مانع أن يكون في بيتها أثر لما وهبها الله تعالى من علم وفهم وحسن تصرف ، لكن عليها أن تتحلى بالصبر لتوصيل ذلك إلى من هو أقل منها من زوج وولد ، وتتصف بالحكمة في اختيار الوقت المناسب والطريقة المناسبة لإيصال ذلك لمستحقه من غير تجريح ولا إهانة .
وأنت تلاحظين أن الزوج العسكري خارج المنزل لا يمكن أن يكون كذلك في بيته ، والعالم صاحب الهيبة والحشمة لا ينجح إن كان كذلك مع زوجته وأولاده ، ولا نعلم عن أحدٍ – أصلاً – أنه كذلك ، والمهم في هذا أنه لا ينبغي للزوجة التي تكون أعلم وأفهم وأحكم من زوجها ، أن تجعل بيتها مركزاً ثقافيّاً تديره ! تحكم عليهم وتثيبهم وتعاقبهم ، بل عليها أن تراعي مستوى أولئك – وخصوصا زوجها – فتوصل الفكرة أو المعلومة بحكمة وحنان .
وكم من البيوت التي نعلمها جيدا : طرفاها زوجة في أعلى درجات التعليم ، وزوجها لم يحصل على شهادة ، أو يعمل مهنة بسيطة ؛ فزوجة أستاذة جامعية ، وزوجها يعمل فلاحا في أرضه ، وهذا أمر واقعي نعلمه مباشرة ، وحياتهما مستقيمة ، لا نزاع ، ولا مشكلات !!
3. وتستطيع المرأة بحسن أسلوبها وحنكتها أن تعالج حبَّ زوجها للمال ، وتعالج بخله ، بجعله يقرأ كتباً في الكرم وذم البخل والبخلاء ، وأن يستمع للمواد السمعية في المواضيع تلك ، ولا بدَّ من مواجهته باستمرار بوجوب النفقة على بيته وأهله ، وبوجوب إظهار نعمة الله عليه ، وإذا ما طُلب من الزوج أن يهتم بشئون لباسه أو النفقة على بيته أن يُطلب منه ذلك برفق ولين دون عنف وقسوة .
وليُعلم أن الزوج البخيل ليس يقع في الإثم إلا أن يبخل في النفقة الواجبة على زوجته وأولاده من طعام وكسوة ، وأما ما زاد على ذلك من الكماليات : فليس للزوجة أن تطالبه بها على وجه الحق اللازم ، والذي يظهر لنا من سؤال الأخت أن زوجها ليس مقصِّراً في نفقته الواجبة عليها ، فتبقى مطالبته بما هو فوق ذلك ينبغي أن يكون بتلطف ودون إلزام .
4. ومثله يقال فيما تعانين منه – وحُقَّ لك – من غيبته للناس واستهزائهم به ، فهي وإن كانت ليست كالبخل – حيث هي من الكبائر ، والبخل ـ في غير الحقوق ـ خلق ذميم ليس معصية في الأصل ، لكن هذا لا يعني تركه يفعل ذلك دون نصح ووعظ ، فيُذكر له حكم الشرع فيما يفعل ، ولا يعان على فعل تلك المعاصي بالاستماع له ومشاركته في الجلوس معه ، ولعلَّ الله تعالى أن يجعل نصحك له ووعظك إياه سبباً لترك معاصيه .
5. اعلمي أنه يمكنك التغلب على قدر لا بأس به من مشكلات زوجك ، وبناء جسور التفاهم بينكما ، بتحبيبه بالعلم الشرعي ، فحبذا لو يوضع له على القنوات التي تُعنى بالعلم ومسائل الشرع ليرى مدى حاجته للعلم ، وعليك إعانته على توفير السبل الملائمة لكي يحبَّ العلم وأهله ؛ بربطه بأناس من أصدقائكم وأقربائكم ممن يعرف عنهم حب العلم ، وتكوين علاقة معهم .
والله أعلم
تعليق