الحمد لله.
قال ابن القيم رحمه الله :
وأما كونه - أي : التيمم - في عضوين ففي غاية الموافقة للقياس والحكمة ؛ فإن وضع التراب على الرءوس مكروه في العادات ، وإنما يفعل عند المصائب والنوائب ، والرِّجلان محل ملابسة التراب في أغلب الأحوال ، وفي تتريب الوجه من الخضوع والتعظيم لله والذل له والانكسار لله ما هو من أحب العبادات إليه وأنفعها للعبد ، ولذلك يستحب للساجد أن يُترِّب وجهه لله ، وأن لا يقصد وقاية وجهه من التراب كما قال بعض الصحابة لمن رآه قد سجد وجعل بينه وبين التراب وقاية فقال : " ترِّب وجهك " ، وهذا المعنى لا يوجد في تتريب الرِّجلين .
وأيضاً فموافقة ذلك للقياس من وجهٍ آخر : وهو أن التيمم جُعل في العضوين المغسولين ، وسقط عن العضوين الممسوحين ، فإن الرِّجلين تُمسحان في الخف ، والرأس في العمامة ، فلمَّا خُفِّف عن المغسوليْن بالمسح خُفِّف عن الممسوحيْن بالعفو ، إذ لو مُسحا بالتراب لم يكن فيه تخفيفٌ عنهما ، بل كان فيه انتقالٌ من مسحهما بالماء إلى مسحهما بالتراب ، فظهر أن الذي جاءت به الشريعة هو أعدل الأمور وأكملها ، وهو الميزان الصحيح .
وأما كون تيمم الجنب كتيمم المحدِث فلمَّا سَقط مسح الرأس والرجلين بالتراب عن المحدِث سقط مسح البدن كله بالتراب عنه بطريق الأولى ، إذ في ذلك من المشقة والحرج والعسر ما يناقض رخصة التيمم ، ويدخل أكرم المخلوقات على الله في شبه البهائم إذا تمرغ في التراب ، فالذي جاءت به الشريعة لا مزيد في الحسن والحكمة والعدل عليه ، ولله الحمد .
تعليق