الأربعاء 24 جمادى الآخرة 1446 - 25 ديسمبر 2024
العربية

بيع المرابحة للآمر بالشراء

تاريخ النشر : 16-11-2020

المشاهدات : 113223

أولا: تعريف بيع المرابحة للآمر بالشراء:

المقصود بــ (بيع المرابحة للآمر بالشراء): هو أن يرغب شخصٌ في سلعة معينة -كسيارة أو عقار أو جهاز معين-؛ فيذهب إلى شخص أو مؤسسة أو مصرف، فيحدد له السلعة المطلوبة، ويَعِدُهُ أن يشتريها منه بعد شرائه لها بربح يتفقان عليه  ([1]).


ثانيًا: حكم بيع المرابحة للآمر بالشراء.

بيع المرابحة للآمر بالشراء جائز بشروط:

الشرط الأول: أن يمتلك المأمورُ بالشراءِ ( كالمصرفِ )  السّلعةَ فيشتري (الشقة أو السيارة) لنفسه شراء حقيقيًّا، قبل بيعها للآمر ( وهو العميلُ )، وأما بيع المأمور بالشراء للسلعة على العميل قبل شرائها فيدخل في عموم نهي النبي صلى الله عليه وسلم الذي دل عليه حديث حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيُرِيدُ مِنِّي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي أَفَأَبْتَاعُهُ لَهُ مِنَ السُّوقِ؟ فَقَالَ: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ » ([2]).

الشرط الثاني: أن يقبض المأمورُ بالشراء السلعةَ قبل بيعها على الآمر، وقبضُ كل شيء بحسبه؛ فقبْضُ السيارة -مثلاً- يكون بنقلها من محلها، وقبْضُ الدار يكون بتخليتها واستلام مفاتيحها، وهكذا ([3]).

ودل على ذلك أدلة من السنة، منها:

  1. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا، فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ»([4]).

وعن ابن عباس رضي الله عنه مثله، وقال: "وَأَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ مِثْلَهُ"([5]).

أي: لا فرق بين الطعام وغيره في ذلك، وقبض كل شيء بحسبه.

 قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "وما ينقل: مثل الثياب والحيوان والسيارات وما أشبه ذلك يحصل قبضها بنقلها؛ لأن هذا هو العرف" ([6]).

وإذا كان المأمور بالشراء هو البنك؛ فيُشترط أن يفتح المصرف الاعتماد المستندي باسمه ولصالحه، حتى يتحقق شراؤه الصحيح للسلعة، ولا يكون الأمر مجرد حيلة ([7]).

  1. عَنْ حِزَامِ بْنِ حَكِيمٍ قَالَ: قَالَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ رضي الله عنه: ابْتَعْتُ طَعَامًا مِنْ طَعَامِ الصَّدَقَةِ، فَرَبِحْتُ فِيهِ قَبْلَ أَنْ أَقْبِضَهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «لَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ»([8]).
  2. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: ابْتَعْتُ زَيْتًا فِي السُّوقِ، فَلَمَّا اسْتَوْجَبْتُهُ لِنَفْسِي، لَقِيَنِي رَجُلٌ فَأَعْطَانِي بِهِ رِبْحًا حَسَنًا، فَأَرَدْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى يَدِهِ، فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي بِذِرَاعِي فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ -رضي الله عنه-، فَقَالَ: لَا تَبِعْهُ حَيْثُ ابْتَعْتَهُ، حَتَّى تَحُوزَهُ إِلَى رَحْلِكَ، «فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ، حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ»([9]).

الشرط الثالث: ألا يكون القصد من المعاملة التحايل على الربا؛ كأن يكون الآمر بالشراء هو نفسه البائع على الجهة المأمورة بالشراء.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: " فمتى كان مقصود المتعامل: دراهم بدراهم إلى أجل - فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى - ...؛ فإنه ربا، سواء كان يبيع ثم يبتاع، أو يبيع ويقرض، وما أشبه ذلك"([10]).

وقال الشيخ -يوسف الشبيلي -حفظه الله- : "من شروط المرابحة المصرفية: ألا يكون القصد من المعاملة التحايل على الربا .... ويظهر التحايل على الربا في المرابحة المصرفية في صور متعددة، منها: أن يكون الآمر بالشراء هو نفسه البائع على البنك، فإن كثيرًا من الآمرين بالشراء يطلب شراء السلعة من شخص بعينه، قد يكون شريكاً، أو وكيلاً له، أو بينه وبين الآمر مواطأة على الحيلة.

فيحرم على البنك في بيع المرابحة للآمر بالشراء: أن يشتري السلعة من شركة أو محل تابع للآمر أو وكيله؛ لأن صورة ذلك، كصورة عكس مسألة العينة، فإن الآمر يبيع السلعة بنقد ثم يشتريها من البنك نسيئة.

والمتتبع لقرارات الهيئات الشرعية في المصارف الإسلامية يلحظ اهتماماً واضحًا من قِبَل تلك الهيئات، ووقوفًا حازمًا إزاء تطَفُّل العينة عقودَ المرابحة المصرفية، فهي تؤكد بين الفينة والأخرى على الجهات التنفيذية، على التحري في هوية الآمر والبائع، وألا يكون البائع وكيلاً أو شريكاً أو متواطئاً مع الآمر" [11]).

الشرط الرابع: ألا يشترط المأمورُ بالشراء غرامةً في حال تأخر الآمر في سداد الأقساط؛ لأن ذلك من الرّبا الصريح، ولا فرق بين أن يأخذ المأمور بالشراء الغرامة لنفسه، أو يوزعها على الفقراء والمساكين!

جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن البيع بالتقسيط: " إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17- 23 شعبان 1410 هـ الموافق 14 - 20 آذار (مارس) 1990م:

"إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أيَّ زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط؛ لأن ذلك ربا محرم

"([12]).

الشرط الخامس: ألا يتعدى الاتفاق المبدئي الدائر بين الآمر بالشراء والمأمور حدود المواعدة المجردة؛ والتي يكون لكلا الطرفين فيها بعد ذلك الخيار في اتمام الصفقة أو إلغائها، أما إذا وُجد الإلزام لكلا الطرفين أو أحدهما: فإنه يُدخِل المعاملة في باب "بيع الإنسان ما لا يملك"؛ لأن العقد يكون قد وقع قبل تملك المأمور بالشراء للسلعة.

قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: "وَإِذَا أَرَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ السِّلْعَةَ فَقَالَ: اشْتَرِ هَذِهِ وَأُرْبِحْك فِيهَا كَذَا، فَاشْتَرَاهَا الرَّجُلُ: فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ.

وَاَلَّذِي قَالَ أُرْبِحْك فِيهَا: بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَحْدَثَ فِيهَا بَيْعًا، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ.

وَهَكَذَا إنْ قَالَ اشْتَرِ لِي مَتَاعًا وَوَصَفَهُ لَهُ أَوْ مَتَاعًا أَيَّ مَتَاعٍ شِئْت، وَأَنَا أُرْبِحْك فِيهِ، فَكُلُّ هَذَا سَوَاءٌ يَجُوزُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ ... وَيَكُونَانِ بِالْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ الْآخَرِ، فَإِنْ جَدَّدَاهُ جَازَ.

وَإِنْ تَبَايَعَا بِهِ عَلَى أَنْ أَلْزَمَا أَنْفُسَهُمَا الْأَمْرَ الْأَوَّلَ: فَهُوَ مَفْسُوخٌ مِنْ قِبَلِ شَيْئَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَبَايَعَاهُ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهُ الْبَائِعُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَلَى مُخَاطَرَةِ أَنَّك إنْ اشْتَرَيْتَهُ عَلَى كَذَا أُرْبِحْك فِيهِ كَذَا"([13]).

وفي قرار مجمع الفقه الإسلاميّ: "المواعدةَ الملزمةَ في بيع المرابحة تشبه البيعَ نفسَه، حيث يشترط عندئذ أن يكون البائع مالكاً للمبيع حتى لا تكون هناك مخالفة؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الإنسان ما ليس عنده"([14]).

وقال الشيخ الصديق الضرير -رحمه الله-: "بيع المرابحة للآمِر بالشراء مع إلزام الآمر بوعْده، يُؤدِّي إلى بيع الإنسان ما ليس عندَه؛ لأنَّه لا فرْقَ بين أن يقول شخصٌ لآخرَ: بعتُك سلعة كذا بمبلغ كذا، والسِّلعة ليستْ عنده، وبين أن يقول شخص لآخر: اشترِ سلعة كذا، وأنا ملتزمٌ بشرائها منك بمبلغ كذا، وبيع الإنسان ما ليس عندَه منهيٌّ عنه بحديث: (لا تَبِعْ ما ليس عندك)، ولا يُغيِّر من هذه الحقيقة كونُ البنك والآمر بالشراء سينُشِئان عقدَ بيعٍ من جديد بعدَ شراء البنك السلعة، وتقديمها للآمِر، ما دام كلُّ واحد منهما مُلزمًا بإنشاء البيع على الصورة التي تضمَّنها الوعد"([15]).


ثالثا: ما يجوز في بيع المرابحة للآمر بالشراء:

  1. يجوز للمأمور بالشراء في عقد المرابحة عند شرائه للسلعة أن يأخذها بخيار الشرط – خشية عدول العميل – ثم يعرضها للعميل خلال مدة الخيار ولا يعد عرضها فسخًا لذلك الخيار، فإن رغبها العميل وإلا ردها المأمور بالشراء إلى من اشتراها منه.

وقد نص العلماء -رحمهم الله تعالى- على جواز هذه المعاملة:

قال السرخسي -رحمه الله-: "رجلٌ أمر رجلا أن يشتري دارا بألف درهم، وأخبره أنه إن فعل اشتراها الآمر منه بألف ومائة، فخاف المأمور إن اشتراها ألا يرغب الآمر في شرائها، قال: يشتري الدار على أنه بالخيار ثلاثة أيام فيها ويقبضها ثم يأتيه الآمر فيقول له: قد أخذتها منك بألف ومائة، فيقول المأمور: هي لك بذلك ... وإن لم يرغب الآمر في شرائها يُمكَّن المأمور من ردها بشرط الخيار فيندفع الضرر عنه بذلك" ([16]).

وقال ابن القيم -رحمه الله- وهو يذكر بعض الحيل المباحة التي تجعل الإنسان يصل إلى حقه بلا مخالفة للشرع، قال:

"رجل قال لغيره: اشتر هذه الدار أو هذه السلعة من فلان بكذا وكذا، وأنا أربحك فيها كذا وكذا، فخاف إن اشتراها أن يبدو للآمر، فلا يريدها، ولا يتمكن من الرد. فالحيلةُ: أن يشتريها على أنه بالخيار ثلاثة أيام أو أكثر ثم يقول للآمر: قد اشتريتها بما ذكرت، فإن أخذها منه، وإلا تمكَّن من ردها على البائع بالخيار"([17]).

وجاء في قرارات "الهيئة الشرعية لبنك البلاد" (الضابط 12):

"يجوز للبنك في عقد المرابحة عند شرائه للسلعة من البائع الأول أن يأخذها بخيار الشرط – خشية عدول العميل – ثم يعرضها للآمر بالشراء خلال مدة الخيار ولا يعد عرضها فسخا لذلك الخيار، فإن رغبها الآمر بالشراء وإلا ردها البنك إلى البائع الأول "انتهى ([18]).

2. لا يُشترط لصحة عقد المرابحة أن يسجل المأمور السلعة كالسيارة ونحوها باسمه قبل أن يبيعها على العميل، بل يكفي أن يتملكها ويحوزها ثم يبيعها للعميل.

جاء في "قرار الـهيئة الشرعية لبنك البلاد " -عند ذكر ضوابط عقد المرابحة-: "لا يشترط تسجيل المبيع باسم البنك؛ لأن ملكية المبيع تنتقل إليه بالعقد، ولا تحتاج إلى التسجيل الذي هو مجرد إجراء قانوني لتأكيد العقد" انتهى ([19]).

3. يجوز رهن السلعة المرابَح عليها حتى يُتِم الآمر بالشراء سداد أقساطها، كما يجوز رهن وثائقها ([20]).

قال البهوتي -رحمه الله-: "فيصح اشتراط رهن المبيع على ثمنه، فلو قال: بعتك هذا على أن ترهننيه على ثمنه، فقال: اشتريت ورهنتك صح الشراء والرهن"([21]).

وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم: 51 (2/ 6) بشأن البيع بالتقسيط: "لا حق للبائع في الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع، ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة" انتهى.

4. يجوز إجراء عقد المرابحة مع غير المسلمين، سواء كانوا أفرادًا أو جهات أو مؤسسات، بشرط تحقق شروط المرابحة الصحيحة.

قال البخاري -رحمه الله- في صحيحه: "بَابُ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْحَرْب".

وذكر فيه حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ مُشْعَانٌّ طَوِيلٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "(بَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً ؟ - أَوْ قَالَ: - أَمْ هِبَةً)، قَالَ: لاَ، بَلْ بَيْعٌ، فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً" [22]).

وعن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعامًا إلى أجل، ورهنه درعه"([23]).

قال ابن دقيق العيد -رحمه الله- في فوائده على حديث عائشة: "وفيه دليل على جواز معاملة الكفار، وعدم اعتبار الفساد في معاملاتهم"([24]).


رابعًا: ما لا يجوز في بيع المرابحة للآمر بالشراء:

 ألا يشتري المأمور السلعة لنفسه شراء حقيقيًا، وإنما يكتفى بدفع شيك بالمبلغ عن العميل، فحينها يكون ذلك قرضًا ربويًا؛ إذ حقيقته أن المأمور أقرض العميل ثمن السلعة على أن يسترد قرضه بزيادة آجلة.

لا يجوز للمأمور بالشراء أن يأخذ من الآمر بالشراء أي مبلغ نقدي في مرحلة المواعدة، سواء أكان هامشًا للجدية، أو دفعة مقدمة من قيمة السلعة، أو عربونًا، أو أي مبلغ نقدي آخر؛ لأن أخذ هذا المبلغ من العميل قبل شراء السلعة دلالة على أن ما بينهما ليس مجرد مواعدة وإنما التزام، وهذا المبلغ لتأكيد وضمان الالتزام في حقيقة الأمر، وهذا يتناقض مع ما سبق من اشتراط كون الوعد غير ملزم للطرفين أو أحدهما.

وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي حول العربون: "ولا يجري في المرابحة للآمر بالشراء في مرحلة المواعدة، ولكن يجري في مرحلة البيع التالية للمواعدة " [25]).

وفي قرار الهيئة الشرعية لبنك الراجحي: "في المرابحة لا يجوز أن يشترط دفعة مقدمة ولا عربونًا، وإنما يشتري المأمور العقار لنفسه بنفسه أولاً ثم يبيعه للآمر، ولم تجز الهيئة في هذا اشتراط دفعة مقدمة ولا عربونًا؛ لأن الآمر غير ملزم بالشراء في المرابحة، وهذا الاشتراط يجعله ملزمًا"([26]).

وفي قرار الهيئة الشرعية لبنك البلاد: "لا يجوز للبنك أن يأخذ من العميل أي مبلغ نقدي في مرحلة المواعدة بأي شكل كان، سواء أكان هامش الجدية، أم دفعة مقدمة ضمانًا من العميل على حساب قيمة البضاعة التي سيشتريها، أم عربونًا، أو أي مبلغ نقدي آخر"([27]).

وبإمكان المأمور بالشراء التخلص من خطر الخسارة بخيار الشرط كما سبق.

  1. لا تجوز المرابحة العكسية، وهي أن العميل (المودِع) يوكل البنك في شراء سلعة معينة، ويسلم العميلُ البنكَ الثمن نقدًا، ثم يقوم البنك بشراء هذه السلعة من العميل بثمن مؤجل، وبربح يتم الاتفاق عليه مع العميل. ([28])

وقد صدر قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي بتحريم هذه المعاملة، ونصه:

"الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته التاسعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من: 22-27/شوال/1428هـ، الذي يوافقه: 3-8/ نوفمبر/2007م قد نظر في موضوع: (المنتج البديل عن الوديعة لأجل)، والذي تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر تحت أسماء عديدة، منها: المرابحة العكسية، والتورق العكسي أو مقلوب التورق، والاستثمار المباشر، والاستثمار بالمرابحة، ونحوها من الأسماء المحدثة أو التي يمكن إحداثها.

والصورة الشائعة لهذا المنتج تقوم على ما يلي:

1. توكيل العميل (المودِع) المصرف في شراء سلعة محددة، وتسليم العميل للمصرف الثمن حاضراً.

2. ثم شراء المصرف للسلعة من العميل بثمن مؤجل، وبهامش ربح يجري الاتفاق عليه.

وبعد الاستماع إلى البحوث والمناقشات المستفيضة حول هذا الموضوع، قرر المجلس عدم جواز هذه المعاملة؛ لما يلي:

1. أن هذه المعاملة مماثلة لمسألة العينة المحرمة شرعاً، من جهة كون السلعة المبيعة ليست مقصودة لذاتها، فتأخذ حكمها، خصوصاً أن المصرف يلتزم للعميل بشراء هذه السلعة منه.

2. أن هذه المعاملة تدخل في مفهوم (التورق المنظم) وقد سبق للمجمع أن قرر تحريم التورق المنظم بقراره الثاني في دورته السابعة عشرة، وما علل به منع التورق المصرفي من علل يوجد في هذه المعاملة.

3. أن هذه المعاملة تنافي الهدف من التمويل الإسلامي، القائم على ربط التمويل بالنشاط الحقيقي، بما يعزز النمو والرخاء الاقتصادي...."انتهى.

  1. بعضهم يقوم بوضع العقار المملوك له باسم قريب له ليقوم البنك بشرائه له منه، وهذا أمر محرم، وهو حيلة على الربا؛ لأن العقار ملك له، وحقيقة الأمر أن البنك سيدفع 100 مثلا ليستردها 120 مثلا، وليس ثمة سلعة انتقلت من صاحبها إلى البنك ثم انتقلت إليه، بل السلعة وهي العقار في مكانها وهي ملك له، وقد استعملت حيلة للحصول على القرض الربوي.

سئل الشيخ سليمان الماجد: "لدي أرض، وأرغب في بنائها، فهل يجوز أن أبيع الأرض على زوجتي بثمن آجل ثم يشتريها البنك من زوجتي وتسدد زوجتي لي ثمن الأرض ثم يبيع البنك الأرض علي بالتقسيط، وبثمن الأرض أستطيع بناءها؟

فأجاب حفظه الله: "لا يجوز لك نقل ملكية الأرض لزوجتك لتبيعها على البنك، وتأخذ النقود ثم تشتريها من البنك بالتقسيط؛ لأن ذلك من التحايل على الاقتراض بفائدة، والبديل عن هذا هو التورق الشرعي: أن تشتري سلعة مملوكة للتاجر أو البنك بالتقسيط، ثم تقبضها وتبيعها بنفسك أو وكيلك على طرف ثالث غير البائع، والله أعلم" انتهى. ([29])

  1. البطاقة الائتمانية بصيغة المرابحة للآمر بالشراء، والتي تقوم على أساس شراء البنك للبضاعة التي يرغبها حامل البطاقة من المتجر ثم يقوم البنك ببيعها مرابحة على حامل البطاقة؛ هذا النوع من البطاقات يكتنفها عدد من المحظورات الشرعية، وهي كما يلي:

المحظور الأول: عدم علم البنك بالسلع التي اشتراها، لا بأعيانها ولا بأوصافها حيث إن المعلومات المرسلة للبنك عبر جهاز نقاط البيع لا تتجاوز: اسم التاجر، وحامل البطاقة، والمبلغ المطلوب، كما أفاد بعض المتخصصين الاقتصاديين.

المحظور الثاني: عدم قبض البنك للسلع التي اشتراها قبضا صحيحا.

المحظور الثالث: أن بعض السلع والخدمات تكون قد استهلكت من قِبَل العميل قَبَل أن يشتريها البنك، مما يعني أن البيع تم على معدوم.

وكل هذا ينافي بيع المرابحة الجائز ([30])

  1. منَعَ العلماءُ البنكَ من توكيل العميل في شراء السلعة؛ حتى لا يتحول العقد إلى عقد صوري ويكون حيلة على الربا، إلا إذا كان البنك لا يستطيع شراء السلعة بنفسه.

جاء في "قرارات الهيئة الشرعية لبنك البلاد"، قرار رقم (15) بشأن ضوابط بيع المرابحة:

" -لا يجوز للبنك توكيل عميله بالشراء في بيع المرابحة للآمر بالشراء.

-الأصل أن يتسلم البنك السلعة بنفسه من مخازن البائع، أو من المكان المحدد في شروط التسليم، ويجوز توكيل البنك غيرَ البائعِ الأول والآمرِ بالشراء للقيام بذلك نيابة ًعنه " انتهى.

وجاء فيها أيضا:

"إذا كان المشتري الأصيل (كالبنك) لا يستطيع شراء السلعة بنفسه، فيجوز له توكيل الآمر بالشراء في شرائها، وله بعد تملكه وقبضه للسلعة أن يبيعها على الآمر بالشراء بثمن مؤجل، ولو كان الآمر بالشراء وكيلا في الشراء الأول"([31]).


خامسًا: مسائل متعلقة بالمرابحة:

  1. المرابحة في الأسهم:

حقيقة المرابحة في الأسهم: أن يشتري البنك الأسهم لنفسه أولاً، فإذا ملكها ودخلت في محفظته، باعها على العميل بربح زائد على الثمن الذي اشترى به.

 ولا يجوز أن يكون دور البنك هو مجرد التمويل، بحيث لا يشتري الأسهم لنفسه أولا؛ لأن هذا قرض ربوي محرم، وقد سبق بيانه.

كما يجب أن تكون المرابحة في الأسهم المباحة والنقية، وأما الأسهم المحرمة في الشركات ذات النشاط المحرم، أو الأسهم المختلطة وهي أسهم الشركات التي تودع جزءًا من مالها في الحسابات الربوية، أو تقترض بالربا، فلا يجوز التعامل بها في المرابحة وغيرها ([32]).

  1. المرابحة في الإجارة:

الإجارة نوع من أنواع البيوع؛ ولكنها بيع منفعة، وليست بيعَ عينٍ، ولذلك لا حرج من المرابحة في الإجارة بالشروط المذكورة في المرابحة في البيع ([33]).

  1. حكم الانتفاع بالسلعة المشتراة بالمرابحة المحرمة مع الجهل بالحكم:

من تملّك سلعة بطريق المرابحة التي تجريه البنوك الربوية - سواء كانت سيارة أو دارًا أو أجهزة أو غير ذلك - جاهلاً بالحكم، جاز له الانتفاع بها، ولا يلزمه التخلص منها، وعليه التوبة إلى الله والندم على تقصيره في سؤال أهل العلم قبل الشروع في المعاملة.

وقد سئلت اللجنة الدائمة عن رجل اقترض قرضاً ربوياً وبنى بيتاً، فهل يهدم البيت أم ماذا يفعل؟

فأجابت: "إذا كان الواقع كما ذكرت، فما حصل منك من القرض بهذه الكيفية حرام لأنه ربا وعليك التوبة والاستغفار من ذلك، والندم على ما وقع منك والعزم على عدم العودة إلى مثله، أما المنزل الذي بنيته فلا تهدمه، بل انتفع به بالسكنى أو غيرها، ونرجو أن يغفر الله لك ما فرط منك" ([34]).

 

[1] ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (116968).

[2] أخرجه أبو داود (3503)، والترمذي (1232)، والنسائي (4613) وصححه الألباني.

[3] ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (81967)، (150579).

[4] أخرجه البخاري (2126)، ومسلم (1526).

[5] أخرجه مسلم (1525).

[6] الشرح الممتع (8/381).

[7] ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (96749).

[8] أخرجه النسائي (4603)، وأحمد (15316)، وصححه الألباني.

 [9]أخرجه أبو داود (3499)، وحسنه الألباني، ولمعرفة صور القبض ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (119485).

[10] مختصراً بتصرف من " مجموع الفتاوى " (29/432 - 433) .

[11] مختصراً بتصرف يسير من " الخدمات الاستثمارية في المصارف وأحكامها في الفقه الإسلامي " (2/428-437) .

[12] " مجلة المجمع "(عدد 6، ج1 ص 453)، ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (204810).

[13] الأم، للشافعي (4/75).

[14] قرارات مجمعِ الفقهِ الإسلاميِّ (40 -41)، ويراجع: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (229091).

[15] مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/742)، وينظر: فقه النوازل، للشيخ بكر أبو زيد (2/97).

[16] المبسوط، للسرخسي (30/ 237).

[17] إعلام الموقعين (4/ 29).

[18] ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (215358).

[19] ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (150882).

[20] ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (172292)، (98920).

[21] كشاف القناع، للبهوتي (3/189)

[22] صحيح البخاري (2216).

[23] صحيح البخاري (2509)، ومسلم (1603).

[24] إحكام الأحكام (2 /145).

[25] "قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي" (ص: 82).

[26] قرارات الهيئة الشرعية بمصرف الراجحي (1/330).

[27] قرارات الهيئة الشرعية لبنك البلاد، قرار رقم: (15).

[28] ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (111906).

[29] ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (111906).

[30] ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (13722).

[31] الضوابط المستخلصة (ص: 31)، وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (223848).

[32] ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (73296)، (112445).

[33] ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (216813).

[34] فتاوى اللجنة الدائمة (13 / 411).