إذا طلب الوالد منه مالا ولم يكن عنده فهل يلزمه الاقتراض
الوالد الله يحفظه لنا أحيانا يطلب منا أنا وإخوتي مساعدته لزواج أحد إخوتي أو تغيير أثاث المنزل أو غير ذلك من الأشياء التي ليست مهمة وأكثر الأحيان أقوم بدفع ما يخصني ولكن مرة من المرات لا أستطيع لأنها لا تكون متوفرة لدي فيزعل علي لفترة ثم أقوم بطلب سلفة من البنك وآتي بها له وهكذا ، علما أن حالته المادية متوسطة ، هل يجوز أن أعصيه وأقول له : المبلغ ليس عندي أم أذهب إلى البنك وآخذ دَيْناً في شيء لا يعتبر مهما بهذه الدرجة؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
للأب أن يأخذ من مال ولده ، ما احتاج إليه ، إذا كان لا يضر بالابن ، وذلك لما روى
ابن أبو داود (3530) وأحمد (6640) من حديث عبد الله بن عمرو أَنَّ رَجُلا قَالَ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ لِي مَالا وَوَلَدًا ، وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ
يَجْتَاحَ مَالِي . فَقَالَ: ( أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ ).
صححه الألباني في صحيح أبي داود
.
ومعنى الحديث ـ كما قال الخطابي رحمه الله ـ : أن هذا الرجل كان يحتاج المال من أجل
النفقة وكان مال الابن قليلاً بحيث تستأصله النفقة وتأتي عليه كله ، فلم يعذره
النبي صلى الله عليه وسلم في ترك النفقة على أبيه . وانظر :
"عون المعبود"
.
ويشترط أن يكون الأب بحاجة إلى هذا المال ، عند جمهور الفقهاء خلافا للحنابلة ؛ لما
روى الحاكم ( 2 / 284 ) والبيهقي ( 7 / 480 ) عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أولادكم هبة الله لكم يهب لمن يشاء إناثاً
ويهب لمن يشاء الذكور فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها ) .
صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 2564
).
قال ابن قدامة رحمه الله : " ولأبٍ أن يأخذ من مال ولده ما شاء , ويتملكه , مع حاجة
الأب إلى ما يأخذه , ومع عدمها , صغيرا كان الولد أو كبيرا , بشرطين :
أحدهما : أن لا يجحف بالابن , ولا يضر به , ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته .
الثاني : أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر . وذلك لأنه ممنوع من تخصيص بعض ولده
بالعطية من مال نفسه , فلأن يمنع من تخصيصه بما أخذ من مال ولده الآخر أولى .
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي : ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته ; لأن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام , كحرمة يومكم هذا
, في شهركم هذا ) متفقعليه
. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه
) رواه الدارقطني
؛ ولأن ملك الابن تام على مال نفسه , فلم يجز انتزاعه منه "
انتهى من "المغني" (5/395) باختصار
.
فإذا احتاج الأب للمال فله أن يأخذ من مال ولده ، فينفق على نفسه وعلى من يعول ،
بشرط ألا يضر بالابن وألا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته ، كسيارته التي يركبها ونحو ذلك
. وانظر جواب السؤال رقم (9594)
.
ثانيا :
إذا لم يكن لديك مال فلا يلزمك الاقتراض ، ولك أن تقول لوالدك : إنه لا مال لديك
الآن ، أو أنك بحاجة إلى المال الموجود معك ، ولا يعد هذا عصيانا له .
ولا يجوز أن تقترض من البنك الربوي بحال ، لما جاء من لعن آكل الربا وموكله ، ولا
يجوز طاعة الأب فيما لو أمر بهذا الاقتراض ؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
والحاصل : أن الأب إذا احتاج إلى المال لينفق منه أو يشتري به أثاثا للبيت ونحو ذلك
، جاز له أن يأخذ من مال أولاده ، بشرط ألا يكون في ذلك ضرر عليهم ، وألا يأخذ ما
تعلقت به حاجتهم ، فإذا لم يكن لديهم مال فائض فلا يلزمهم الاقتراض .
وينبغي أن يتعاون الإخوة في مساعدة من لم يتزوج منهم ، كلٌّ حسب استطاعته وقدرته .
والله أعلم .