هل تحذر أولادها من عمتهم التي لها سوابق
أخت زوجي لها سوابق في الزنا بالمحرمات ، وقطعنا عنهم فترة 15 سنة ، ثم رجع زوجي يكلمهم ، فخفت على أولادي فطعنت بشرفها أمامهم ليبعدوا عنها ، قلت : إن عمتكم مارست الجنس مع خالها ، فهل يجوز ذلك لأبعد أطفالي - مع أن أطفالي منقطعون عنها ، ولكن خفت من زوجي يؤثر عليهم - ؟ فتكلمت على شرفها ، هل يجوز ؟ .
وجزاكم الله خيراً .
الجواب
الحمد لله.
حفظت الشريعة المطهرة أعراض الناس من أن تنال بالسوء ، فشرعت لذلك حدَّ الزنى ،
وحدَّ القذف ، حتى لا يجرؤ أحد على انتهاك أعراض الناس بالفعل وهو يعلم أن مصيره
الجلد ، أو الرجم حتى الموت ، إلا أن يكون مفضلاً للخزي والعار والموت ، على
الطهارة والنقاء والسلامة ، كما لا يجرؤ أحد على انتهاك أعراض الناس بالقول وهو
يعلم أنه سيقام عليه حدُّ القذف ، وسترد شهادته ، ويكون من الفاسقين ، إلا أن يكون
متجرِّئا على الباطل ، راضياً بالسوء والمنكر ، على طهارة اللسان وعفته .
وأنت أيتها الأخت السائلة : لا يخلو ما قلتيه في حق أخت زوجك من أمرين :
الأول : أن تكون الجريمة منها غير ثابتة عليها شرعاً ، وإنما هي أقاويل وافتراءات .
والثاني : أن تكون تلك الجريمة ثابتة عليها .
وثبوت تلك الجريمة لا يكون بادعاء الناس ، ولا بأقاويلهم المفتراة ، بل لا بدَّ من
ثبوتها بإحدى الطرق الشرعية ؛ حماية للأعراض ؛ وحفظاً لها من طعن السفهاء ، ومن طرق
ثبوت جريمة الزنى – بالمحارم وبغيرهم - :
1. شهادة أربعة رجال ، يرون الفرج في الفرج – كالميل في المكحلة - .
2. اعتراف الزانية على نفسها أنها فعلت تلك الجريمة .
ولا يعد اعتراف الطرف الآخر بينة على طرفه المقابل حتى يعترف هو بفعله .
وعليه :
فلو أن تلك الجريمة المدعاة على أخت زوجتك لم تكن ثابتة بشهادة الشهود ، ولا
باعترافها : فإن قولك لأبنائك عنها : يعد قذفاً تستحقين عليه الحدَّ الشرعي ،
فيلزمك أن تتوبي وتستغفري ربك تعالى ، وتكذِّبي نفسك أمام أولادك .
قال تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا
بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا
لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ
تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )
النور/ 4 ، 5
.
وقال سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ
الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )
النور/ 23
.
قال الإمام ابن جرير الطبري – رحمه الله - :
والذين يَشْتمون العفائف من حرائر المسلمين ، فيرمونهنّ بالزنا ، ثم لم يأتوا على
ما رمَوْهن به من ذلك بأربعة شهداء عدول يشهدون عليهنّ أنهنّ رأوهن يفعلن ذلك :
فاجلدوا الذين رموهن بذلك ثمانين جلدة ، ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً ، وأولئك هم
الذين خالفوا أمر الله وخرجوا من طاعته ففسقوا عنها .
" تفسير الطبري " ( 19 / 102 )
.
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله - :
قوله تعالى في هذه الآية : ( يرمون ) معناه : يقذفون المحصنات بالزنا صريحاً ، أو
ما يستلزم الزنا ، كنفي نسب ولد المحصنة عن أبيه ؛ لأنه إن كان مِن غير أبيه : كان
مِن زنى ، وهذا القذف هو الذي أوجب الله تعالى به ثلاثة أحكام :
الأول : جلد القاذف ثمانين جلدة .
والثاني : عدم قبول شهادته .
والثالث : الحكم عليه بالفسق .
فإن قيل : أين الدليل من القرآن على أن معنى ( يرمون المحصنات ) في هذه الآية : هو
القذف بصريح الزنى ، أو بما يستلزمه كنفي النسب ؟ .
فالجواب : أنه دلت عليه قرينتان من القرآن :
الأولى قوله تعالى : ( ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ) بعد قوله (
يَرْمُونَ المحصنات ) ، ومعلوم أنه ليس شيء من القذف يتوقف إثباته على أربعة شهداء
إلا الزنى ، ومن قال: إن اللواط حكمه حكم الزنى : أجرى أحكام هذه الآية على اللائط
.
القرينة الثانية : هي ذكر ( المحصنات ) بعد ذكر الزواني في قوله تعالى ( الزاني لاَ
يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً ) النور/ 3
، وقوله تعالى : ( الزانية والزاني فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ
جَلْدَةٍ ) النور/ 2
، فذِكْر المحصنات بعد ذكر الزواني : يدل على إحصانهن ، أي : عفتهن عن الزني ، وأّن
الذين يرمونهن إنما يرمونهن بالزنى .
" أضواء البيان " ( 5 / 431 )
.
وأما إن كانت تلك الجريمة المنكرة قد ثبتت على أخت زوجك أنها فعلتها بشهادة أربعة
عدول ، أو باعترافها : فإنها تكون مرتكبة لجريمة نكراء ، وإذا كان الزنى من كبائر
الذنوب : فإن الزنى بالمحارم أقبح منه ، وأشد إثماً ، وأعظم جرماً .
قال ابن نجيم الحنفي – رحمه الله - :
والزنا محرم بجميع أنواعه ، وحرمة الزنا بالمحارم أشد ، وأغلظ ، فيجتنب الكل .
" البحر الرائق شرح كنز الدقائق " ( 8 / 221
) .
وقال ابن حجر الهيتمي – رحمه الله - :
وأعظم الزنا على الإطلاق : الزنا بالمحارم .
" الزواجر عن اقتراف الكبائر " ( 2 / 226 )
.
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن من زنى بمحرم من محارمه قتل ، سواء أكان محصناً أم غير
محصن ، وذهب جمهور الفقهاء إلى أن عقوبة الزنى بالمحارم هي عقوبة الزاني بالأجنبية
، فيجلد مئة جلدة إن كان غير محصن ، ويرجم حتى الموت إن كان محصناً .
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - :
قد اتفق المسلمون على أن من زنا بذات محرم فعليه الحد ، وإنما اختلفوا في صفة الحد
هل هو القتل بكل حال ، أو حده حد الزاني ، على قولين ، فذهب الشافعي ، ومالك ،
وأحمد - في إحدى روايتيه - : إلى أن حدَّه حد الزاني ، وذهب أحمد ، وإسحق ، وجماعة
من أهل الحديث إلى أن حدَّه القتل بكل حال .
" الجواب الكافي " ( ص 123 )
.
ومن آثار ثبوت تلك الجريمة على أخت زوجك : أنه لا يعد ما قلتيه في حقِّها قذفاً ،
إلا إن كانت قد تابت من ذلك الفعل توبة نصوحاً ، أو أقيم عليها الحد الشرعي – إن
كان الحد هو الجلد - ، فإن ثبتت جريمتها ، ولم تتب منها ، ولم يقم عليها حد الجلد :
جاز تحذير أولادك وغيرهم ممن يمكن أن يتأثروا بها ، أو تسوء أخلاقهم بمصاحبتها
وزيارتها ، وليس هذا من الغيبة المحرمة ، بل هو من الغيبة الجائزة .
قال النووي – رحمه الله - :
اعلم أنَّ الغيبةَ وإن كانت محرّمة : فإنها تُباح في أحوال ، للمصلحة ، والمُجوِّزُ
لهَا غرض صحيح شرعي ، لا يمكن الوصولُ إليه إلا بها ، وهو أحد ستة أسباب :
...
الرابع : تحذير المسلمين من الشرّ ، ونصيحتهم .
" الأذكار للنووي " ( ص 792 )
.
على أن يكون ذلك التحذيرعلى وجه
النصح ، لا لدافع شخصي .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
وهذا كله يجب أن يكون على وجه النصح ، وابتغاء وجه الله تعالى ، لا لهوى الشخص مع
الإنسان ، مثل أن يكون بينهما عداوة دنيوية ، أو تحاسد ، أو تباغض ، أو تنازع على
الرئاسة ، فيتكلم بمساويه مظهراً للنصح ، وقصده في الباطن الغض من الشخص ،
واستيفاؤه منه ، فهذا مِن عمل الشيطان ، و( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ
ما نوى ) ، بل يكون الناصح قصده أنَّ الله يصلح ذلك الشخص ، وأن يكفي المسلمين ضرره
في دينهم ، ودنياهم ، ويسلك في هذا المقصود أيسر الطرق التي تمكنه .
" مجموع الفتاوى " ( 28 / 221 )
.
والله أعلم