هل يجب على الزوجة خدمة أهل زوجها ؟ وبماذا ننصح الزوجين في هذا ؟
مشكلتي بأني مهما حاولت جاهدة أن أخدم أهل زوجي ، وخاصة : والدته ، والتفانى في خدمتها : فهو لا يعجب زوجي ، تعبت ، وأنهكت طاقاتي ، علما بأني أسكن في مسكن مستقل ، ووالدته تأتي لزيارتنا من بلد مختلف ، المشاكل زادت بيننا إلى حد أنه هجرني في الفراش ، للأسف بدأت أكره والدته ؛ لأنه بقدومها تأتي مشكلة أخرى ، رغم أنه ما عمري قط رفعت صوتي عليها ، أو عصيت لها أمراً ، أو حتى ألَّبت زوجي عليها ، بل إني دائمة الحث لزوجي ببرِّها ، ولكن زوجي هداه الله يفضلها عليَّ تفضيلاً جارحاً ، ولا أنكر بأن هذه والدته ولا يجب أصلا مقارنتها بي ، ولكن على الأقل يكون كيِّساً ، ويحاول أن لا يثير غيرتي ، وعندما أتفق معه على أمر لا يقلب عليَّ إذا لم يعجب والدته .
إني أعاني من قسوة زوجي في وجود أهله ، فهو لا يريدني أن أخطئ أبدا أبدا ، وأن أخدم والدته ، وأخواته بتفانٍ ! بدأت أشعر بالكراهية نحو أهله بسببه ، رغم أني كنت أحبهم ، هل يجب عليَّ أن أخدم والدته بهذا التفاني ؟ وهل هو في الشرع واجب عليَّ خدمة أم الزوج بهذا الشكل ؟ كما أني أريد توجيهاً لزوجي بأن علاقتي بأخواته وأهله لا يجب أن تكون سبباً في حدوث مشاكل بيننا .
جزاكم الله خيراً .
الجواب
الحمد لله.
أولاً:
إن من أهم آثار عقد الزوجية بين الزوجين أن تسلِّم الزوجة نفسها لزوجها ، ليتم
الاستمتاع بينهما ، ويكون على الزوج أن ينفق عليها ، ولو كانت غنية ، وليس من لوازم
عقد الزوجية خدمة الزوجة لأهل زوجها ، لا أمه ، ولا أخواته ، ولا غيرهن ، وهذا مما
لا ينبغي أن يُختلف فيه ، إلا أن تتبرع الزوجة بتلك الخدمة ؛ احتساباً للأجر ،
وبرّاً بزوجها .
قال علماء اللجنة الدائمة :
ليس في الشرع ما يدل على إلزام الزوجة أن تساعد أم الزوج ، إلا في حدود المعروف ،
وقدر الطاقة ؛ إحساناً لعشرة زوجها ، وبرّاً بما يجب عليه بره .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ،
الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 19 / 264 ، 265
) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - :
هل لأم الزوج حق على الزوجة ؟ .
فأجاب :
لا ، أم الزوج ليس لها حق واجب على الزوجة بالنسبة للخدمة ؛ لكن لها حق مِن المعروف
، والإحسان ، وهذا مما يجلب مودة الزوج لزوجته ، أن تراعي أمه في مصالحها ، وتخدمها
في الأمر اليسير ، وأن تزورها من حين لآخر ، وأن تستشيرها في بعض الأمور ، وأما
وجوب الخدمة : فلا تجب ؛ لأن المعاشرة بالمعروف تكون بين الزوج والزوجة .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 68 / السؤال 14
) .
فيجب على الزوج أن يقف عند هذا الحكم الشرعي ، ولا يطلب من الزوجة ما لا يلزمها
شرعاً ، وعليه أن يعلم أنه لا طاعة له عليها لو أنه أمر زوجته بخدمة أهله ؛ لأن
أمره ذاك ليس من شرع الله تعالى .
وفي الوقت نفسه : نوصي الزوجة أن تسعى جاهدة لإنهاء النزاع بينها وبين والدة زوجها
، وأن تعلم أن هذا مما يجلب السعادة لها ، ولجميع أفراد الأسرة ، ولتعلم أنه قد
يأتي عليها زمان تحتاج فيه لخدمة زوجات أبنائها ، فلعلها إذا احتسبت خدمة أم زوجها
أن ييسر الله تعالى من زوجات أبنائها من تقوم على خدمتها ، والعناية بها .
وننصح الزوجة بالنظر في جواب السؤال رقم : (
21598 ) .
ثانياً:
على الزوج أن يتقي الله تعالى في زوجته ، وليس له أن يربط علاقته بزوجته بعلاقتها
بأهله ، وأن عليه هو مسئولية جسيمة في التوافق والترابط بين زوجته وأهله ، وأن مثل
هذه العلاقات الودية لا تأتي بالأوامر للزوجة بخدمة أهله ، بل يكون ذلك بالتودد ،
والتلطف معها ، مع وجود جو من المحبة ، والمودة بين كافة الأطراف ، وهو ما نحمله هو
المسؤولية الكاملة عنه ، فيستطيع استثمار علاقته بالأطراف جميعها ليجمع بينهم على
المحبة والمودة ، وبما أنهم لا يسكنون معاً ، بل تباعدت بينهم الديار : فإن هذا مما
يسهِّل الأمر ولا يصعِّبه ؛ لأن من عادة الاختلاط في بيت واحد ، أو السكن المتقارب
أن يؤدي لمثل هذه النزاعات ، أما والحال أن كل واحد من الطرفين يسكن في بلد غير بلد
الآخر : فهذا يجعل الأمر عليه يسيراً إن شاء الله ، ويمكن لكلا الطرفين أن يتحمَّل
الفترة التي يلتقون فيها ، ويجاهد كل واحد منهما نفسه ، إلى أن يكتب الله لهما
الاجتماع بمحبة وصفاء ، وإذا لم يحصل مثل هذا : فليرض الزوج بالحد الأدنى ، وهو عدم
حدوث ما يعكر صفو اللقاء بين الطرفين بمشاحنات ومشادات .
أيها الزوج الكريم ، الله الله في زوجتك ، فهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لك :
( فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ
اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ )
رواه مسلم (2137) .
إن من أهم أسباب استقامة الحياة ، ودوام المعروف ، وحسن العشرة بينكما : أن تشعر
زوجتك أنها شريكة لك ، أنها زوجة ، كما أنك زوج ، وليست أمة عند سيد !!
وتذكر ـ أخيرا ـ قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خَيْرُكُمْ
خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ ؛ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ) .
رواه الترمذي (3830) وابن ماجة (1967) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع .
نسأل الله أن يصلح شأنك وشأن زوجك ، وأن يصرف عنكما كيد الشيطان ونزغه ووسواسه ،
وأن يجمع بينكما في خير .
والله أعلم