كسب مالا حراما ثم تاب وعمل مشروعا تجاريا من المال الحرام
أخي كان يعمل في كازينو لتقديم الخمور والمأكولات والمشروبات لكن نسبة الخمور تقريبا 75% من دخل المحل ودخله بعد فتره هداه الله فقرر ترك العمل والبحث عن عمل حلال لكنه جلس في المنزل قرابة السنة والنصف ومعه من المال الحرام تقريبا 13 ألف جنيه فقرر فتح مشروع تجاري بناء علي فتوى بأنه مضطر وبعد ذلك يتخلص من راس المال وبالفعل اشتري محل إيجار جديد 5 سنوات شاركته أنا وأبي بمال حلال ، تقريبا 4 آلاف جنيه وبدا المحل في الربح وبعد فتره بدأنا في التخلص من راس المال بجدول ثابت وبعدما كثر الربح فكرنا في شراء محل تمليك بمساعده صديق أبي (أخي الثلث وأنا وأبي الثلث وصديق أبي الثلث) وذات يوم سمعت من بعض المشايخ أنه لا بد أن نتخلص من راس المال + الربح فخفت خوفا شديدا علينا فحاولت البحث عن مخرج بأي حال فقررت شراء نصيب أخي من المحل الإيجار جديد فاستلفت مالا من العمل و قمت ببيع ذهب زوجتي وحسبت نصيب أخي في المحل الإيجار واشتريته واخذ أخي مني المال وأنفقه في مصلحة المسلمين وجعلته يشتغل عندي كأجير السؤال الآن
1- هل برئت ذمتي أمام الله ؟ وما حكم هذا البيع ؟ وهل هناك شبه في مالي وبالذات أن أصله حلال ولو هنا شبه ماذا افعل ؟
2- بالنسبة لأخي يعمل عندي الآن أجيراً وأعطيه أكثر من نصف الربح حتى يتخلص بمقدار نصيبه من المحل التمليك أيضا لأنه شريك معي الآن هل على أخي ذنب ؟
3- هل ظروف أخي تجعله في حكم المضطر ؟
4- لو كل ما فعلناه صحيحاً لماذا أخاف لما آكل من هذا المال على الرغم من أن راس مالي حلال ؟ أرجو الرد أيضا علي هذا السؤال للأهمية
الجواب
الحمد لله.
من اكتسب مالاً بطريق محرم ، كالعمل في هذا الكازينو الذي يقدم الخمر ، أو العمل في
كتابة الربا ، ونحو ذلك من الأعمال المحرمة ، ثم تاب إلى الله تعالى وندم على ما
فعل ، فإن كان قد أنفق المال ، فلا شيء عليه ، وإن كان المال في يده ، فيلزمه
التخلص منه بإنفاقه في أوجه الخير ، وإذا كان محتاجا فإنه يأخذ منه قدر الحاجة ،
ويتخلص من الباقي .
قال ابن القيم رحمه الله : " إذا عاوض غيره معاوضة محرمة وقبض العوض ، كالزانية
والمغني وبائع الخمر وشاهد الزور ونحوهم ثم تاب والعوض بيده ... فتوبته بالتصدق به
ولا يدفعه إلى من أخذه منه ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الصواب ... ".
انتهى بتصرف من "مدارج السالكين" (1/389).
وقد بسط ابن القيم الكلام على هذه المسألة في "زاد المعاد" (5/778) وقرر أن طريق
التخلص من هذا المال وتمام التوبة إنما يكون : " بالتصدق به ، فإن كان محتاجا إليه
فله أن يأخذ قدر حاجته ، ويتصدق بالباقي " انتهى .
وقال شيخ الإسلام : " فإن تابت هذه البغي وهذا الخَمَّار ، وكانوا فقراء جاز أن
يصرف إليهم من هذا المال قدر حاجتهم ، فإن كان يقدر يتجر أو يعمل صنعة كالنسج
والغزل ، أعطي ما يكون له رأس مال . وإن اقترضوا منه شيئا ليكتسبوا به ... كان أحسن
" انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/308).
وعلى هذا ؛ فيجوز أن يعطى التائب ما يكون رأس مال يتجر به ، سواء ردّه أو لا ،
والأولى يردّه فيتخلص منه بإعطائه للفقراء والمساكين .
وهذا القول الذي نصره شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم ، هو القول الصواب الذي يتماشى
مع مقاصد الشريعة في ترغيب الناس في التوبة وعدم تنفيرهم منها ، وفي توفير العمل
للمحتاج ، وتقليل البطالة ، وأما القول بخلاف ذلك ، وإلزام التائب بالخروج من جميع
ماله ، وتركه بلا مال ولا تجارة ، ففيه تعسير للتوبة ، وتنفير منها .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " فإن الرجل قد يعيش مدة طويلة لا يصلي ولا يزكي ، وقد
لا يصوم أيضا ، ولا يبالي من أين كسب المال أمن حلال أم من حرام ، ولا يضبط حدود
النكاح والطلاق ، وغير ذلك ، فهو في جاهلية إلا أنه منتسب إلى الإسلام ، فإذا هداه
الله وتاب عليه فإن أُوجب عليه قضاء جميع ما تركه من الواجبات ، وأُمر برد جميع ما
اكتسبه من الأموال ، والخروج عما يحبه من الأبضاع إلى غير ذلك صارت التوبة في حقه
عذابا ، وكان الكفر حينئذ أحب إليه من ذلك الإسلام الذي كان عليه ، فإن توبته من
الكفر رحمة ، وتوبته وهو مسلم عذاب . وأعرف طائفة من الصالحين من يتمنى أن يكون
كافرا ليُسلم فيغفر له ما قد سلف ؛ لأن التوبة عنده متعذرة عليه أو متعسرة على ما
قد قيل له ، واعتقده من التوبة ، ثم هذا منفّر لأكثر أهل الفسوق عن التوبة ، وهو
شبيه بالمؤيِّس للناس من رحمة الله ، ووضع الآصار الثقيلة والأغلال العظيمة على
التائبين الذين هم أحباب الله ، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ، والله أفرح
بتوبة عبده من الواجد لماله الذي به قوامه بعد اليأس منه " انتهى من "مجموع
الفتاوى" (22/21).
وبناء على ذلك ؛ فما قام به أخوك من الاتجار بهذا المال المحرم ، ثم التخلص منه بعد
أن رزقه الله ووسع عليه ، تصرف صحيح سديد ، ولا يلزمه التخلص من الربح الناتج عن
هذا المال .
ولعل الشيخ الذي سمعته كان يتحدث عن المال المغصوب أو المسروق ، فإن نماء الغصب
وربحه لا يملكه الغاصب عند بعض الفقهاء .
وكونك تخاف عند أكل شيء من هذا المال ، لا يضر ، ولا يؤثر على حكم المسألة ، فقد
أحسنتم التصرف ، ونسأل الله تعالى أن يبارك في مالكم ، وأن يوسع أرزاقكم ، وأن
يتقبل التوبة من أخيكم .
والله أعلم.