الحمد لله.
إذا مات رجل وترك زوجة وخمسة بنات وعمة ، فللزوجة الثمن لوجود الفرع الوارث . قال تعالى : ( فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ ) النساء/12 .
وللبنات الثلثان ؛ لقوله تعالى : ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ) النساء/11 .
والباقي يرد على البنات فقط .
وأما العمة فهي من ذوي الأرحام وقد اختلف الفقهاء في توريثهم ، ومن قال بتوريثهم كالإمام أحمد رحمه الله اشترط ألا يوجد صاحب فرض ، وقد وجد هنا ، وهم البنات .
وأما الزوجة ، فلا يردّ عليها شيء ، ولا تأخذ أكثر من فرضها ، وقد حكي هذا إجماعا .
قال ابن قدامة رحمه الله : " باب ذوي الأرحام وهم الأقارب الذين لا فرض لهم ولا تعصيب .. وذكر منهم العمات .. ثم قال : فهؤلاء يسمون ذوي الأرحام . وكان أبو عبد الله [أحمد بن حنبل] يورثهم إذا لم يكن ذو فرض , ولا عصبة , ولا أحد من الوارث , إلا الزوج , والزوجة . روي هذا القول عن عمر , وعلي , وعبد الله , وأبي عبيدة بن الجراح , ومعاذ بن جبل , وأبي الدرداء رضي الله عنهم . وبه قال شريح , وعمر بن عبد العزيز , وعطاء , وطاوس , وعلقمة , ومسروق , وأهل الكوفة .
وكان زيد لا يورثهم , ويجعل الباقي لبيت المال . وبه قال مالك , والأوزاعي , والشافعي رضي الله عنهم وأبو ثور , وداود , وابن جرير " انتهى من "المغني" (6/205).
وقال أيضا : " فأما الزوجان , فلا يردّ عليهما باتفاق من أهل العلم , إلا أنه روي عن عثمان رضي الله عنه أنه رد على زوج . ولعله كان عصبة , أو ذا رحم , فأعطاه لذلك , أو أعطاه من مال بيت المال , لا على سبيل الميراث " انتهى من "المغني" (6/186).
واعلم أن مسألة الرد مختلف فيها كذلك بين الفقهاء ، فمنهم من لا يرى الرد ، ويعيد الفائض إلى بيت المال ، وإلى ذلك ذهب مالك والشافعي رحمهما .
قال ابن قدامة في الموضع السابق : " وجملة ذلك : أن الميت إذا لم يخلف وارثا إلا ذوي فروض , ولا يستوعب المال , كالبنات والأخوات والجدات , فإن الفاضل عن ذوي الفروض يردّ عليهم على قدر فروضهم , إلا الزوج والزوجة . روي ذلك عن عمر , وعلي , وابن مسعود , وابن عباس رضي الله عنهم . وحكي ذلك عن الحسن , وابن سيرين , وشريح , وعطاء , ومجاهد , والثوري , وأبي حنيفة , وأصحابه . قال ابن سراقة : وعليه العمل اليوم في الأمصار ...
وذهب زيد بن ثابت إلى أن الفاضل عن ذوي الفروض لبيت المال , ولا يرد على أحد فوق فرضه . وبه قال مالك , والأوزاعي , والشافعي رضي الله عنهم ".
والراجح ما ذهب إليه القائلون بالرد ، والقائلون بتوريث ذوي الأرحام ؛ لأن هؤلاء أولى من بيت المال ؛ لقوله تعالى : ( وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ ) الأحزاب/6 .
لكن حيث وجد صاحب فرض ، ردّ عليه الباقي ، ولم يرث ذو الرحم ، كما سبق .
وعليه ؛ فإن الزوجة في هذه المسألة تأخذ الثمن ، ثم تقسم باقي التركة على البنات بالتساوي، فرضا وردّا .
والله أعلم .