الحمد لله.
أولاً :
تربية الأبناء منذ صغرهم على الدِّين ، وتحفيظهم كتاب الله ، وتعليمهم سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم : من الواجبات التي افترضها الله على الوالدين ، وهو من محاسن أفعال الأهل مع أولادهم ، ومما ينتفعون بها دنيا ، وأخرى ، إن شاء الله .
فنشكر أبوي هذا الطفل ، ومن يشجعه على حفظ كتاب الله ، وتعلمه ، ونسأل الله أن يكتب لهم الأجر يوم القيامة ، فما أعظم أن يلقى الإنسان ربَّه وفي صحيفته أعمال خير دلَّ عليها ، أو ساهم في وجودها .
ومما لا شك فيه : أن مقياس التفاضل عند الله هو بما يكتسبه المسلم من تقوى ، وإيمان ، وأعمال صالحة ، وقد اختصَّ الله تعالى حافظ القرآن بخصائص عظيمة ، وميزات رفيعة ، في الدنيا ، والآخرة ، وللوقوف على بعضٍ من تلك الميزات : يُنظر جواب السؤال رقم : ( 1403) .
ثانياً :
المطلوب من المسلم أن يوازن بين أمر الدنيا ، وأمر الآخرة ، قال تعالى : (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) القصص/77 .
قال الحسن وقتادة : معناه : لا تضيع حظك من دنياك في تمتعك بالحلال ، وطلبك إياه ، ونظرك لعاقبة دنياك .
انظر "تفسير القرطبي" (13/314) .
وقال ابن كثير رحمه الله :
(وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ) أي : استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل ، والنعمة الطائلة ، في طاعة ربك ، والتقرب إليه بأنواع القرُبات ، التي يحصل لك بها الثواب في الدار الآخرة .
(وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) أي : مما أباح الله فيها من المآكل ، والمشارب ، والملابس ، والمساكن ، والمناكح ، فإن لربك عليك حقّاً ، ولنفسك عليك حقّاً ، ولأهلك عليك حقّاً ، ولزَوْرك عليك حقّاً ، فآتِ كل ذي حقٍّ حقَّه .
"تفسير ابن كثير" (6/253 ، 254) .
فالمسلم يعمل لدنياه ، كما يعمل لآخرته , وإن كان العمل للآخرة مقدَّماً عند التعارض ؛ لأن الحياة الأبدية ، والخلود ، ليس في الدنيا ، بل في الآخرة ، إما في جنة ، وإما في نار .
ثالثاً :
جَمْعُ المسلمِ بين حفظ كتاب الله ، وبين مراجعة الدروس المدرسية : أمرٌ ليس صعب المنال ، ولكن يحتاج إلى ترتيب الوقت ، وتنظيمه ؛ فيجعل وقتاً للحفظ ، ومراجعة القرآن , ووقتاً لمراجعة الدروس المدرسية , ووقتاً للراحة , ووقتاً للترويح عن النفس ، ويكون ذلك بعمل جدول للوقت ، وتنظيمٍ لساعات يومه ، مع مراعاة عدم الضغط ، وعدم التشديد عليه .
كما ينبغي مراعاة مستوى الحفظ ، والذكاء ، لدى الطفل ، والشاب ، فلا يُحمَّل أحدٌ فوق طاقته ، وأكثر من وُسعه ؛ ولعل هذا يكون السبب في تقصير ذلك الشاب في جانب ، دون الآخر ؛ فإذا كان في مقدوره حفظ صفحة من القرآن يوميّاً : فلا يحمَّل حفظ وجهين ، وهكذا ؛ حتى يتسنَّى له وقت للواجبات المدرسية , وكذلك الأمر بالنسبة للواجبات المدرسة ، فتحميله فوق طاقته يعرِّضه للضغط ، والتشويش .
والذي نراه أن هذا الطالب يقلل القدر الذي يحفظه من القرآن الكريم يومياً ، ويقلل المدة التي يبقاها في المسجد بسبب ذلك ، حتى يحصل الجمع بين حفظ القرآن الكريم ومراجعته ، وبين مذاكرة الدروس المدرسية .
ولا يمكننا نصحكم بإلغاء حفظ القرآن الكريم من أجل الدروس المدرسية .
فالنصيحة لوالدي الطفل :
أن يَعملوا على تنظيم وقت هذا الغلام الشاب ؛ وعليهم الجمع ، والموازنة ، بين حفظ القرآن وتحسين أدائه المدرسي ، من غير إخلال بواحدٍ منهما .
والله هو الموفق ، والمعين , ومنه يستمد الحول ، والقوة .
والله أعلم