ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا" فعلى ضوء هذا الحديث لو أن شخصاً فقد شيئاً ثميناً في المسجد ولم يعلن عليه وإنما اخبر الإمام أو القيّم. فهل يدخلون في النهي الوارد ؟ وهل النهي الوارد في الحديث خاص بمن فقد شيئاً أم انه عام لكل إعلان أو إنشاد في المسجد؟
الحمد لله.
أولاً:
لا يجوز إنشاد الضالة في المساجد ، أو تعريفها، فيه ؛ لأن المساجد لم تبن لذلك ، إنما بنيت لإقامة ذكر الله ، وقد روى مسلم (568) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ : لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ ؛ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا ) .
وروى مسلم أيضا (569) عن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا نَشَدَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ : مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا وَجَدْتَ ؛ إِنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ ) .
قال النووي رحمه الله :
" قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا وَجَدْت ) وَأَمَرَ أَنْ يُقَال مِثْل هَذَا , فَهُوَ عُقُوبَة لَهُ عَلَى مُخَالَفَته وَعِصْيَانه وَيَنْبَغِي لِسَامِعِهِ أَنْ يَقُول : لَا وَجَدْت فَإِنَّ الْمَسَاجِد لَمْ تُبْنَ لِهَذَا . أَوْ يَقُول : لَا وَجَدْت إِنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِد لِمَا بُنِيَتْ لَهُ . كَمَا قَالَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انتهى .
وقد قال ابن عبد البر رحمه الله :
" وقد ذكر الله تعالى المساجد بأنها بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه وأن يسبح له فيها بالغدو والآصال ، فلهذا بنيت ، فينبغي أن تنزه عن كل ما لم تبن له " .
"الاستذكار" (2 / 368)
وروى البيهقي في "السنن" (20763) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بنى إلى جانب المسجد رحبة فسماها البطيحاء فكان يقول : " من أراد أن يلغط أو ينشد شعرا أو يرفع صوتا فليخرج إلى هذه الرحبة " .
وراجع : "الاستذكار" (2/368)
ومن أراد أن ينشد ضالة فليخرج خارج المسجد ، ولو كتب ورقة وعلقها على الجدار الخارجي للمسجد فلا بأس بذلك .
ومن ضاع منه شيء في المسجد ، فأراد أن يخبر به إمام المسجد أو المؤذن أو العامل ليدل من وجدها على صاحبها ، أو نحو ذلك فلا بأس به إذا كان بينه وبينه .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" المساجد لم تُبن لنشد الضوال أو البيع والشراء ، وإنما بنيت لعبادة الله وطاعته بالصلاة والذكر وحلقات العلم ونحو ذلك .
وكتابة ورقة وتعلق في المسجد فهذا إذا كان في الجدار الخارجي فلا بأس أو على الباب الخارجي فلا بأس ، أما من الداخل فلا ينبغي لأن هذا يشبه الكلام ، ولأنه قد يشغل الناس بمراجعة الورقة وقراءتها .
فالذي يظهر لنا : أنه لا يجوز ، لأن تعليق أوراق في المسجد معناه نشد الضوال ، ولكن إذا كتب على الجدار الخارجي من ظهر المسجد أو على الباب وتكون خارج المسجد فلا بأس بهذا " انتهى مختصرا .
"فتاوى نور على الدرب" (2/709) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" المساجد بما أن الله أضافها إلى نفسه وأضافها النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه وأذن الله أن ترفع لها حرمة ولها أحكام واحترام وتعظيم .
ومن أحكام المساجد أنه لا يجوز بها البيع والشراء سواء كان قليلا أو كثيرا ، كذلك أيضا إنشاد الضالة يجيء رجل ويقول : ضاع مني كذا ، مثل محفظة الدراهم ، فهذا حرام لا يجوز حتى وإن غلب على أمرك أنه سرق في المسجد ، لا تقل كيف أتوصل إلى هذا ؟ اجلس عند باب المسجد خارج المسجد وقل : جزاكم الله خيرا ، ضاع مني كذا .
المهم أن المساجد يا إخواني يجب أن تحترم " انتهى باختصار .
"شرح رياض الصالحين" (ص 2014)
وقال علماء اللجنة الدائمة :
" يمكن أن يلصق الإعلان خارج باب المسجد في مكان معين دائما ليعرفه الناس " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5 / 275)
ثانياً :
النهي الوارد عام في كل إعلان أو إنشاد في المسجد ، إلا إعلانا عن طاعة ، فهذا لا بأس به.
قال علماء اللجنة الدائمة :
" لا يجوز أن تتخذ المساجد، أو شيء من مرافقها، أو ساحاتها التابعة لها الخارجة عنها، ميدانا لعرض النشرات واللوحات الدعائية والإعلانات التجارية ، سواء كان ذلك للمدارس أو المصانع أو المؤسسات أو غيرها ؛ لأن المساجد إنما بنيت لعبادة الله تعالى من صلاة وذكر وتعلم العلم وتعليمه وقراءة القرآن ونحو ذلك من أمور الدين .
فيجب تنزيهها عما ذكر ، ومراعاة حرمتها ، والحرص على عدم إشغال الناس بما يصرفهم عن عبادة الله تعالى ، وتعلقهم بالآخرة " انتهى مختصرا
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5 / 276-277)
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
أعلن في أحد المساجد أنه يوجد إفطار لكل من يريد الصيام في كل يوم خميس فما حكم ذلك ؟
فأجاب : " هذا الإعلان لا بأس به ؛ لأنه إعلان فيه دعوة للخير وليس المقصود به بيعا ولا شراء ، المحرم أن يعلن عن البيع وشراء أو تأجير واستئجار مما لم تبن المساجد من أجله ، وأما الدعوة إلى الخير وإطعام الطعام والصدقة فلا بأس به " انتهى .
راجع إجابة السؤال رقم : (3468) .
وسئل رحمه الله أيضا : ما حكم وضع بعض الإعلانات في المسجد ؟ كالإعلان عن حملة للحج أو للعمرة ، أو الإعلان عن وجود محاضرات أو دروس علم ؟
فأجاب رحمه الله : " أما ما كان إعلانا عن طاعة فلا بأس به ؛ لأن الطاعة مما يقرب إلى الله ، والمساجد بنيت لطاعة الله سبحانه وتعالى .
وأما ما كان لأمور الدنيا ، فإنه لا يجوز ، ولكن يعلن عنه على جدار المسجد من الخارج . فالحملات - حملات الحج - أمر دنيوي ، فلا نرى أن نعلن عنها في الداخل .
وحلق الذكر - كدورات العلم - خيرٌ محض ، فلا بأس أن يعلن عنها في داخل المسجد ؛ لأنها خير "
انتهى باختصار من "شرح منظومة القواعد الفقهية" (ص/52) .
والله أعلم