الحمد لله.
وهل يمكن جعل المكان المستأجر وقفاً فيأخذ حكم المسجد ؟ ذهب جمهور العلماء إلى عدم صحة هذا ؛ لأن وقف المنفعة عندهم لا يصح لأنه مؤقت ويشترط لصحته – عندهم - التأبيد ، وذهب المالكية إلى عدم اشتراط ذلك .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 44 / 165 ، 166 ) : " ذهب جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة إلى عدم جواز وقف المنفعة إذ إنهم يشترطون أن يكون الموقوف عيناً ينتفع بها مع بقاء عينها كما أنهم يشترطون تأبيد الوقف .
وذهب المالكية إلى جواز وقف
المنفعة ، فمن استأجر داراً مدة معلومة فإنه يجوز له أن يقف منفعتها في تلك المدة ،
وينقضي الوقف بانقضائها ، لأنه لا يشترط عندهم تأبيد الوقف " . انتهى .
ووافقَ المالكيةَ شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
فقد سئل - رحمه الله - عمن استأجر أرضاً وبنى فيها داراً ودكاناً أو شيئاً يستحق له
كري عشرين درهماً كل شهر إذا يعمر وعليه حكر في كل شهر درهم ونصف ؟ توقف قديماً ،
فهل يجوز للمستأجر أن يعمر مع ما قد عمره من الملك مسجدا لله ويوقف الملك على
المسجد ؟ .
فأجاب :
" يجوز أن يقف البناء الذي بناه في الأرض المستأجرة ، سواء وقفه مسجداً أو غير مسجد
، ولا يسقط ذلك حق أهل الأرض فإنه متى انقضت مدة الإجارة وانهدم البناء : زال حكم
الوقف سواء كان مسجداً أو غير مسجد وأخذوا أرضهم فانتفعوا بها ، وما دام البناء
قائما فيها : فعليه أجرة المثل .. . " انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 31 / 8 ) .
وقد صدر قرار من " مجمع
الفقه الإسلامي " رقم 181 ( 7 / 19 ) ، موافق لهذا القول، وفيه :
1. إن النصوص الشرعية الواردة في الوقف مطلقة يندرج فيها المؤبد والمؤقت ، والمفرز
والمشاع ، والأعيان والمنافع والنقود ، والعقار والمنقول ؛ لأنه من قبيل التبرع وهو
موسع ومرغب فيه .
2. يجوز وقف أسهم الشركات المباح تملكها شرعاً ، والصكوك ، والحقوق المعنوية ،
والمنافع ، والوحدات الاستثمارية ؛ لأنها أموال معتبرة شرعاً .
(3) تترتب على وقف الأسهم والصكوك والحقوق والمنافع وغيرها أحكام ، من أهمها :
... .
هـ. يجوز وقف المنافع والخدمات والنقود ، نحو خدمات المستشفيات والجامعات والمعاهد
العلمية وخدمات الهاتف والكهرباء ومنافع الدور والجسور والطرق .
و. لا يؤثر وقف المنفعة لمدة محددة على تصرف مالك العين بملكه ، إذ له كل التصرفات
المباحة شريطة المحافظة على حق الوقف في المنفعة .
ز. ينقضي وقف الحقوق المعنوية بانتهاء الأجل القانوني المقرر لها .
انتهى
وهذا هو الراجح عندنا ، وإنما أطلنا في بيان هذه الجزئية ليطمئن قلبك أن ما فعلتَه لم يخرج عن دائرة الوقف إن شاء الله ، وأنه لا فرق – على الصحيح – بين الوقف المؤبد والمؤقت من حيث صحة وقف كل منهما ، وفي كل الأحوال سواء كان ما بذلتَه صدقة أو وقفاً : فإنك مشارك – إن شاء الله - في أجور كل ما يحصل في المسجد من خير من صلاة ودعوة وتعليم وغير ذلك .
ثانياً:
لا يجوز لتلك المنظمة استعمال أموال الوقف المجموعة من أجل بناء مسجد في استئجار
ذلك المبنى ، ولو كان ذلك من أجل الصلاة فيه ؛ لما يجب عليهم من الالتزام بشرط
الواقف ونيته ، ولو علم المتبرعون بنية تلك المنظمة ، فلعل بعضهم أن يُحجم عن الدفع
لهم ولعل بعضهم أن يقلل من المال المبذول لذلك المشروع ، وها هو الأخ السائل مثال
على ما نقوله ، فمما لا شك فيه أن هناك فرقا عند الواقف بين الوقف المؤبد والوقف
المؤقت ، وقد يبذل الواقفون في الأول ما لا يبذلونه في الآخر ، وخاصة أن المسألة
هنا خلافية ، وقد يوجد كثير ممن لا يرون صحة الوقف المؤقت أو وقف المنافع ، فكان
الواجب على تلك المنظمة إخبار أصحاب المال بما حصل من تغيير في خطة مشروعهم ليروا
من يستمر معهم ومن ينسحب .
ثالثاً:
بما أن الأمر كان بينك وبين المنظمة على أن يكون التبرع من أجل بناء المسجد وقفاً
لله تعالى ، وابتغاء الأجر في باب الصدقة الجارية المؤبدة ، وأنهم لم يوفوا بما
اتفقتم عليه – مهما كان السبب الذي يذكرونه – فلا حرج عليك في التوقف عن دفع باقي
المبلغ الذي وعدتهم به ؛ بل الأمر إليك أنت : فإن شئت أن تساهم في إيجار هذا المكان
، متى رأيت فيه خيرا ، فعلت ، وإن شئت امتنعت عن المشاركة ، واكتفيت بما دفعته لهم
قبل ذلك : فعلت .
ثم متى توقفت عن دفع باقي المبلغ ، ووجدت بعد ذلك في نفس المكان ، أو في مكان آخر ،
مسجدا يبنى ، يحتاجه أهل المكان ، فسارع إلى المساهمة فيه ، وادفع فيه باقي المبلغ
الذي كنت تعزمه على دفعه ، أو أكثر منه ، أو أقل ، بحسب ما ييسره الله لك ، ولا
تضيع الفرصة التي كنت تؤملها ، ونحب لك ألا يقل المبلغ الذي تدفعه في هذه الحال ،
عن نصف المبلغ الذي كنت تريد دفعه أولا .
نسأل الله أن يتقبل منك
أعمالك ، وأن يوفق القائمين على خدمة دينه .
والله أعلم