الحمد لله.
ألم تسمع خطاب جعفر بن أبي
طالب – وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم – للنجاشي ملك الحبشة – وقد كان على
النصرانية – فقال له يعرفه خلاصة دين الإسلام : " أَيُّهَا الْمَلِكُ ، كُنَّا
قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ،
وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ ،
يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ
اللهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا ، نَعْرِفُ نَسَبَهُ ، وَصِدْقَهُ ، وَأَمَانَتَهُ
، وَعَفَافَهُ ، فَدَعَانَا إِلَى اللهِ لِنُوَحِّدَهُ ، وَنَعْبُدَهُ ، وَنَخْلَعَ
مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الحِجَارَةِ
وَالْأَوْثَانِ ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ،
وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ
وَالدِّمَاءِ ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ ، وَقَوْلِ الزُّورِ ، وَأَكْلِ مَالَ
الْيَتِيمِ ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ
لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاةِ ، وَالزَّكَاةِ ،
وَالصِّيَامِ ، قَالَ : فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلامِ . فَصَدَّقْنَاهُ
وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ ، فَعَبَدْنَا اللهَ وَحْدَهُ
، فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا ، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا ،
وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا .
فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا ، فَعَذَّبُونَا وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا
لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ ، وَأَنْ
نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الخَبَائِثِ . فَلَمَّا قَهَرُونَا
وَظَلَمُونَا ، وَشَقُّوا عَلَيْنَا ، وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا ،
خَرَجْنَا إِلَى بَلَدِكَ ، وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ ، وَرَغِبْنَا فِي
جِوَارِكَ ، وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ .
فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ : هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنِ اللهِ مِنْ
شَيْءٍ ؟
فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ : نَعَمْ .
فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ : فَاقْرَأْهُ عَلَيَّ .
فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْرًا مِنْ ( كهيعص ) ، قَالَتْ : فَبَكَى وَاللهِ
النَّجَاشِيُّ حَتَّى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى
أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ حِينَ سَمِعُوا مَا تَلا عَلَيْهِمْ .
ثُمَّ قَالَ النَّجَاشِيُّ : إِنَّ هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجُ
مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ !! انْطَلِقَا ، فَوَاللهِ لَا أُسْلِمُهُمِ إلَيْكُمِ
أبَدًا ، وَلا أُكَادُ .
قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ ، قَالَ عَمْرُو بْنُ
الْعَاصِ : وَاللهِ لأنَبِّئَنَّهُمْ غَدًا عَيْبَهُمْ عِنْدَهُمْ ، ثُمَّ
أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ .
قَالَتْ : فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ - وَكَانَ أَتْقَى
الرَّجُلَيْنِ فِينَا -: لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ لَهُمِ أرحاما ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ
خَالَفُونَا . قَالَ : وَاللهِ لأخْبِرَنَّهُ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ عِيسَى
ابْنَ مَرْيَمَ عَبْدٌ .
قَالَتْ : ثُمَّ غَدَا عَلَيْهِ الْغَدَ . فَقَالَ لَهُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ !
إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قَوْلًا عَظِيمًا ، فَأَرْسِلِ
إلَيْهِمْ فَاسْأَلْهُمْ عَمَّا يَقُولُونَ فِيهِ ؟!
قَالَتْ : فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يَسْأَلُهُمْ عَنْهُ . قَالَتْ : وَلَمْ يَنْزِلْ
بِنَا مِثْلُهُ .
فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : مَاذَا تَقُولُونَ فِي
عِيسَى إِذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ ؟
قَالُوا : نَقُولُ وَاللهِ فِيهِ مَا قَالَ اللهُ ، وَمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا ،
كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ !!
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ ، قَالَ لَهُمْ : مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ
مَرْيَمَ ؟
فَقَالَ لَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : نَقُولُ فِيهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ
نَبِيُّنَا : هُوَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ، وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا
إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ .
قَالَتْ : فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الْأَرْضِ ، فَأَخَذَ مِنْهَا
عُودًا ، ثُمَّ قَالَ : مَا عَدَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا الْعُودَ
!!
فَتَنَاخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ .
فَقَالَ : وَإِنْ نَخَرْتُمْ وَاللهِ !!
اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ سُيُومٌ بِأَرْضِي - وَالسُّيُومُ: الْآمِنُونَ – مَنْ
سَبَّكُمْ غُرِّمَ ، ثُمَّ مَنْ سَبَّكُمْ غُرِّمَ ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي
دَبْرًا ذَهَبًا ، وَأَنِّي آذَيْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ - وَالدَّبْرُ بِلِسَانِ
الْحَبَشَةِ: الْجَبَلُ - رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا ، فَلا حَاجَةَ لَنَا
بِهَا ، فَوَاللهِ مَا أَخَذَ اللهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ
مُلْكِي ، فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ ، وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ ،
فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ " رواه أحمد في " المسند " (3/ 266) بإسناد حسن .
هذا الموقف العظيم بين
الصحابة الكرام والنجاشي ، يلخص لنا ولك العلاقة بين دين النبي محمد صلى الله عليه
وسلم ودين المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام ، وهي علاقة التصديق والتكميل ، بيسر
وسهولة واضحة ، بعيدا عن الفلسفات التي حاولت أن تأخذ بالإسلام ذات اليمين وذات
الشمال ، أو الأفهام الخاصة في فروع الشريعة وتفاصيل الدين ، لذلك أحسنت حين طلبت
التواصل مع مركز إسلامي يحرص على العناية بالثوابت المتفق عليها ، ويجتنب الخوض في
الخلافيات والمدارس التي نشأت لتفسير قضايا كلامية أو جدلية محضة .
ونحن نسأل الله تعالى أن يوفقك إلى بغيتك وطلبك .
وفي موقعنا العديد من الفتاوى التي يمكن أن تعينك على تحقيق طلبك هذا ، يمكنك
مراجعتها في الأرقام الآتية : (191402) ،
( 200323) ، (198487)
، (174627) .
والله أعلم .