الحمد لله.
نهى الله سبحانه في كتابه العزيز عن التكلف والتنطع بالسؤال عن الأمور التي لا يترتب عليها عمل ، والتي إن ظهر للإنسان حقيقتها ربما استاء منها ، فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) المائدة/101 .
جاء في تفسير ابن كثير (3 / 203):" هَذَا تَأْدِيبٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَنَهْيٌ لَهُمْ عَنْ أَنْ يَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ مِمَّا لَا فَائِدَةَ لَهُمْ فِي السُّؤَالِ وَالتَّنْقِيبِ عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا إِنْ أُظْهِرَتْ لَهُمْ تِلْكَ الْأُمُورُ رُبَّمَا سَاءَتْهُمْ وَشَقَّ عَلَيْهِمْ سَمَاعُهَا " انتهى .
وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية واقعة تشبه واقعتك التي تسألين عنها ، وهي أن أحد الصحابة شك في نسبه لأبيه ؛ فأراد أن يستوثق من ذلك بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم، فلما سأله وأجابه النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤاله نزل القرآن يعيب تصرف ذلك السائل وينكر عليه استقصاءه لهذه الأمور ، أخرج البخاري (7089) ومسلم (2359) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ، فَصَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ المِنْبَرَ فَقَالَ: (لاَ تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا بَيَّنْتُ لَكُمْ) فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ لاَفٌّ رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي، فَأَنْشَأَ رَجُلٌ(وهو عبد الله بن حذافة) ، كَانَ إِذَا لاَحَى يُدْعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ [يعني : إذا خاصم أحدا ، دعاه ذلك المخاصم إلى غير أبيه] ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، مَنْ أَبِي؟ فَقَالَ: (أَبُوكَ حُذَافَةُ) .
فَكَانَ قَتَادَةُ يَذْكُرُ هَذَا الحَدِيثَ عِنْدَ هَذِهِ الآيَةِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) [المائدة: 101] .
قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقَالَتْ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ (وهي أم ذلك الصحابي السائل) : مَا رَأَيْتُ وَلَدًا أَعَقَّ مِنْكَ قَطُّ، أَكُنْتَ تَأْمَنُ أَنْ تَكُونَ أُمُّكَ قَدْ قارفَتْ مَا قارفَ أهلُ الْجَاهِلِيَّةِ فَتَفْضَحُهَا عَلَى رُؤُوسِ النَّاسِ.
فالذي ننصحك به أيتها السائلة أن تعرضي عن ذكر هذه الواقعة وعن التنقيب والاستقصاء عنها ، فلا تسألي عنها والديك ولا غيرهما ، وأنت كما أنت من ثبوت نسبك لأبيك ؛ لأنك ولدت على فراشه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الولد للفراش) رواه البخاري (2053) ومسلم (1457).
نسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك وأن يوفقك لكل خير .
والله أعلم.