الحمد لله.
وهذا الحديث ليس فيه ما يعيب
أمّنا عائشة رضي الله عنها ؛ لوجوه عدة :
الوجه الأول :
هذه القصة لم تر فيها عائشة رضي الله عنها ولا من حضرها ما يعيب في الدين والتقوى ،
فعائشة رضي الله عنها هي من أخبرت بها ، وهذا يدلّ على أنها مجرد حادثة عادية
وعارضة ، وليس لها تعلق بدين عائشة رضي الله عنها في شيء .
الوجه الثاني :
هذه القصة فيها منقبة لعائشة رضي الله عنها ، فالنبي صلى الله عليه وسلم بيّن أن
لها عوضا عن هذا الدعاء الذي أخافها ، دعاء بالرحمة والفضل والطهارة من الذنب ، كما
في آخر القصة : ( وَقَالَ : اللهُمَّ إِنِّي بَشَرٌ ، أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ
الْبَشَرُ ، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ ، أَوْ مُؤْمِنَةٍ ، دَعَوْتُ عَلَيْهِ ،
فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَطُهُورًا ) .
الوجه الثالث :
هذا الحديث فيه بشارة كبيرة لأمّنا عائشة رضي الله عنها ، حيث أثبت أنها من أهل
الإيمان عند الله تعالى ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال في آخر الحديث :
( فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ ، أَوْ مُؤْمِنَةٍ ، دَعَوْتُ عَلَيْهِ ، فَاجْعَلْهُ لَهُ
زَكَاةً وَطُهُورًا ) .
الوجه الرابع :
أن النبي صلى الله عليه وسلم بَيَّن في الحديث أن عائشة رضي الله عنها لم تكن تستحق
هذا الدعاء ، وأن دعاءه عليها لم يكن له سبب شرعي ، وإنما فعل النبي صلى الله عليه
وسلم ذلك بمقتضى بشريته . ولذلك تراجع عن هذا الدعاء ، ودعا الله تعالى أن يكون
زكاة وطهورا لها .
وعائشة رضي الله عنها لم يستجب فيها الدعاء الأول ، فلم تقطع يدها ، وماتت رضي الله
عنها ولم يصبها شيء من ذلك ؛ وهذا مما يثبت البشارة لها بالإيمان ، ودعاء الخير في
آخر الحديث .
وإننا لنعجب من أولئك الذين يتعامون عن عشرات الأحاديث والمواقف التي تثبت فضل
عائشة رضي الله عنها وشدة محبة النبي صلى الله عليه وسلم لها ، ولم يكن يحب إلا
طيبا ، ثم يحاولون القدح فيها ، بمثل هذا الحديث الذي هو منقبة لها في الحقيقة ،
ولكنهم قوم لا يفقهون.
ثانيا :
مما يحسن الانتباه إليه ، أن مجادلة أهل الضلال وسماع شبههم لا يليق إلا بمن تمكّن
من العلم الشرعي ويعلم من نفسه القدرة على رد هذه الشبهات .
والمسلم إذا لم يكن متمكنا من العلم الشرعي فلا يصح له أن يتصدّر لسماع شبه أهل
الضلال .
وقد اشتهر عن السلف الصالح النهي عن مجالسة أهل البدع وسماع أقوالهم ، ولا شك أن
هذا هو اللائق بحالك وسنك ، أن تجتهدي في تعلم دينك ، وسنة نبيك ، والثبات على ذلك
، وتعرضي عن أهل البدع : فلا تسمعي لهم ، ولا تجادليهم ، حتى يكون عندك من العلم
الراسخ ما تستطيعين به الرد على مثل هذه الشبهات .
والله أعلم .