ما صحة امتلاك أم المؤمنين ميمونة لكلب اسمه مسمار ؟
ما صحة هذين الأثرين :
- رَوى الإمام أحمد في " الزهد "، عن جعفر بن سليمان ، قال : " رأيت مع مالك بن دينار كلبا فقلت : ما تصنع بهذا يا أبا يحيى ؟
فقال : هذا خير من جليس السوء " .
- يُروى أن أم المؤمنين ميمونة - زوج النبي صلى الله عليه وسلم - كان لها كلب يُقال له : مِسمار ، وكانت إذا حجَّت خرجت به معها ، فليس يطمع أحد بالقرب من رحلها مع مسمار ، فإذا رجعت ، جعلته في بني جَديلة ، وأنفقت عليه ، فلما مات ، قيل لها : مات مسمار . فبكت وقالت : فُجِعْتُ بمسمار.
حيث يستدل به بعض الناس على جواز اقتناء الكلب لغير الحراسة والصيد ؟
ملخص الجواب:
وخلاصة ما سبق :
أن الآثار السابقة لا تقوى من حيث الصنعة الحديثية على الصمود أمام معايير المحدثين
في قبول الأخبار لبناء الأحكام الشرعية عليها ، أو استشكالها ومعارضة الأدلة
الشرعية بها .
وعلى فرض صحتها وثبوتها ، فليس من المنهج العلمي ، ولا من الإنصاف البحثي : البناء
عليها ، وترك الأحاديث التي تنهى عن اقتناء الكلاب إلا لعذر ، وذلك لأنه لا يدرى عن
سبب اقتناء هذه الكلاب من قبل أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها ، أو مالك بن دينار
رحمه الله ، فقد يكون لسبب مشروع من صيد أو حراسة ، والراوي لم ينقل ذلك ؛ لأنه لم
يكن في معرض التفصيل والتوسع في أجزاء الحكاية ، فاقتصر على الشاهد الذي يريده من
العظة بتفضيل وفاء الكلب على غدر الإنسان .
ومن القواعد المستقرة في الفقه الإسلامي أن النصوص الشرعية لا تعارض بأقوال الرجال
وأفعالهم المخالفة ، والحجة في النص النبوي ، وليس بفعل صحابي أو تابعي يخالف فيه
النص وما أثر عن الصحابة والتابعين .
هذا على فرض ثبوت ما روي عنه ، وخلوه من الأعذار المبيحة للحاجة .
والله أعلم .
الجواب
الحمد لله.
أولا :
الأثر الأول عن مالك بن دينار ، يروى من طرق ثلاثة :
الطريق الأول : طريق محرز بن عون قال : حدثنا أخي مختار ، عن جعفر بن سليمان الضبعي
قال :
" رأيت خلف مالك بن دينار كلبا يتبعه ، فقلت: ما هذا يا أبا يحيى؟ قال: هذا خير من
جليس السوء " .
أخرجه ابن المرزبان المحولي في " فضل الكلاب " (ص36)، والطبراني في " المعجم الأوسط
" (1/ 200)، والخطابي في " العزلة " (ص49) ، والمخلِّص في " المخلصيات " (3/47،
4/172)، وأبونعيم في " حلية الأولياء " (2/384) ، والبيهقي في " الزهد الكبير "
(ص/101) ، والخطيب البغدادي في " تاريخ بغدادي " (15/355) ، وابن عساكر في " تاريخ
دمشق " (56/419) .
الطريق الثاني :
رواه ابن حبان في " روضة العقلاء " (ص82) قال :
أنبأنا محمد بن أحمد بن الفرج البغدادي بالأبلة ، حدثنا إبراهيم بن حماد بن زياد ،
حدثنا عبد العزيز بن الخطاب ، قال :
" رؤي إلى جنب مالك بن دينار كلب عظيم ، ضخم ، أسود ، رابض ، فقيل له : يا أبا يحيى
! ألا ترى هذا الكلب إلى جنبك !
قال : هذا خير من جليس السوء ".
الطريق الثالث :
رواه أبو نعيم في " حلية الأولياء وطبقات الأصفياء " (2/ 384) قال : حدثنا محمد بن
علي ، قال : ثنا أحمد بن عبد الله الوكيل ، قال : ثنا إبراهيم بن الجنيد ، قال :
ثنا عمار بن زربي ، قال : ثنا حماد بن واقد الصفار ، قال :
" جئت يوما مالك بن دينار وهو جالس وحده ، وإلى جانبه كلب ، وقد وضع خرطومه بين
يديه ، فذهبت أطرده ، فقال :
دعه ، هذا خير من جليس السوء ، هذا لا يؤذيني " .
وخلاصة هذه الطرق الثلاثة أن الخبر عن مالك بن دينار محكي في كتب التاريخ والرواية
، غير أن إعمال المعيار الحديثي ، الذي أسسه النقاد للحكم على الأحاديث بالقبول أو
الرد يقضي على هذه الآثار بالتضعيف ، لما في أسانيدها من رواة مجاهيل ، يطول المقام
بتفصيل حالهم :
الإسناد الأول فيه : مختار بن عون ، الذي لم نعثر له على ترجمة سوى في " تاريخ
بغداد " (15/355) وليس فيها توثيق أو تجريح .
والإسناد الثاني فيه : إبراهيم بن حماد بن زياد ، لم يرد فيه جرح ولا تعديل، سوى
إيراد ابن حبان له في كتاب " الثقات " (8/74)، وكذلك محمد بن أحمد بن الفرج الأبلي
، الذي روى عنه ابن حبان ، ترجمه الخطيب ، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا . " تاريخ
بغداد " (1/ 329).
والإسناد الثالث فيه : حماد بن واقد الصفار ، قال فيه البخاري : منكر الحديث . وقال
ابن عدي: عامة ما يرويه مما لا يتابعه الثقات عليه ، انظر " تهذيب التهذيب "
(3/21)، وفيه أيضا عمار بن زربى ، قال فيه العقيلي : الغالب على حديثه الوهم ، ولا
يعرف إلا به .
ينظر " ميزان الاعتدال " (3/164) .
ثانيا :
أما أثر الكلب مسمار ، فقد رواه إبراهيم الحربي في " غريب الحديث " (3/ 907) قال :
حدثنا عبد الله بن شبيب ، عن ابن أبي أويس ، عن أبيه ، عن عباس بن عبد الله بن معبد
، عن أبيه ، عن ميمونة ، أنه كان لها كلب ، فأخذه داء يقال له الجحام ، فقالت :
وارحمتا لمسمار . تعني الكلب .
والجحام : " داء يأخذ الكلب في رأسه ، فيكوى منه ما بين عينيه ، وقد يصيب الإنسان
أيضا " كما في " النهاية في غريب الحديث والأثر " (1/ 241) .
وهذا الإسناد شديد الضعف ، وذلك لعلتين :
العلة الأولى :
عبد الله بن شبيب ، وهو الربعي القيسي ، وقد اتفق المحدثون على تضعيفه :
قال أبو أحمد الحاكم :
" ذاهب الحديث " انتهى من " الأسامي والكنى " (5/ 65 - الشاملة).
وقال ابن حبان :
" يقلب الأخبار ويسرقها ، لا يجوز الاحتجاج به لكثرة ما خالف أقرانه في الروايات عن
الأثبات " انتهى من " المجروحين " (2/47) .
وقال ابن عدي :
" سمعت عبدان يقول : قلت لعبد الرحمن بن خراش : هذه الأحاديث التي يحدث بها غلام
الخليل من أين له ؟ قال : سرقها من عبد الله بن شبيب ، وسرقها عبد الله بن شبيب من
النضر بن سلمة شاذان ، ووضعها شاذان " انتهى من " الكامل في ضعفاء الرجال " (5/
430) وأورد له مجموعة من منكرات ما روى .
وقال الخطيب البغدادي :
" أخبرني محمد بن علي المقرئ ، قال : أخبرنا محمد بن عبد الله النيسابوري ، قال :
سمعت أبا علي الحافظ ، يقول : كان أبو بكر محمد بن إسحاق ، يعني ابن خزيمة ، كتب عن
عبد الله بن شبيب ، ثم لم يحدث عنه قط " انتهى من " تاريخ بغداد " (11/ 149) .
وقال الذهبي :
" مجمع على ضعفه " انتهى من " ديوان الضعفاء " (ص: 218) .
العلة الثانية :
ابن أبي أويس ، واسمه إسماعيل ، يروي عن أبيه عبد الله ، وإسماعيل وأبوه كلاهما لا
يقبل تفردهما بالرواية الغريبة ، فقد قبلهما بعض الأئمة ، كالإمام أحمد وأبو حاتم ،
غير أن آخرين ضعفوهما كما قال يحيى بن معين : أبو أويس وابنه ضعيفان ، وقال النسائي
عن إسماعيل : ضعيف .
فمثلهما إذا تفردا بغريب المرويات يتوقف فيه المحدثون ، لذلك قال عنه الدارقطني :
لا أختاره في الصحيح . انظر " تهذيب التهذيب " (1/311) .
وقال الذهبي :
" استقرّ الأمرُ على توثيقه ، وتجنُّب ما يُنكر له " انتهى من " تاريخ الإسلام "
(5/ 535) .
فلا يقبل هذا الحديث الذي تفرد به دون غيره من الرواة ، خاصة وفي إسناده عبد الله
بن شبيب المتهم بسرقة الأخبار وقلبها ، فيخشى أن يكون هذا منها مما اصطنع له
الإسناد ، وحقيقته أنه غير ثابت .
ولمراجعة ما سبق من فتاوى في حكم اقتناء الكلاب ، يرجى النظر في الأرقام الآتية : (69777)
، (153894) .