الحمد لله.
وقال رحمه الله : "فأما صفة الصلاة : ومن شعائرها مسألة البسملة ؛ فإن الناس
اضطربوا فيها نفيا وإثباتا : في كونها آية من القرآن ، وفي قراءتها ، وصنفت من
الطرفين مصنفات يظهر في بعض كلامها نوع جهل وظلم ، مع أن الخطب فيها يسير .
وأما التعصب لهذه المسائل ونحوها فمن شعائر الفرقة والاختلاف الذي نهينا عنها ; إذ
الداعي لذلك هو ترجيح الشعائر المفترقة بين الأمة وإلا فهذه المسائل من أخف مسائل
الخلاف جدا ، لولا ما يدعو إليه الشيطان من إظهار شعار الفرقة ... "
ثم قال : " ويستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف القلوب بترك هذه المستحبات ، لأن مصلحة
التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا ، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم
تغيير بناء البيت ، لما في إبقائه من تأليف القلوب ، وكما أنكر ابن مسعود على عثمان
إتمام الصلاة في السفر ، ثم صلى خلفه متما ، وقال : الخلاف شر . "
انتهى من " مجموع الفتاوى" (22/405-407) .
ثانيا:
التيسير على الناس في محال الاجتهاد أمر مشروع ، لا سيما فيما عمت به البلوى ، فإذا
أمكن تصحيح معاملات الناس وعباداتهم بحملها على أقوال معتبرة للفقهاء ، يشهد لها
الدليل، فهذا خير يدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: (فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ
مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ) رواه البخاري (6128).
وقوله: (يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا) رواه البخاري
(69) ، ومسلم (1734).
وهذا لا ينافي أهمية تربية الناس على الجادة، ودعوتهم لفعل الأولى والأكمل، فحيث
وجدت الحاجة إلى الترخيص والتسهيل ، لا سيما بعد وقوع العمل ، عمل به ، وقد اشتهر
عن سفيان الثوري رحمه الله قوله: "إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة، فأما التشديد
فيحسنه كل أحد" رواه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (2/77).
قال النووي رحمه الله: "يحرم التساهل في الفتوى ، ومن عرف به حرم استفتاؤه .
فمن التساهل: أن لا يتثبت ، ويسرع بالفتوى قبل استيفاء حقها من النظر والفكر .
فإن تقدمت معرفته بالمسئول عنه فلا بأس بالمبادرة ، وعلى هذا يحمل ما نقل عن
الماضين من مبادرة .
ومن التساهل أن تحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحرمة أو المكروهة ،
والتمسك بالشبه طلبا للترخيص لمن يروم نفعه ، أو التغليظ على من يريد ضره .
وأما من صح قصده فاحتسب في طلب حيلة لا شبهة فيها ، لتخليصٍ من ورطة يمين ونحوها ،
فذلك حسن جميل . وعليه يحمل ما جاء عن بعض السلف من نحو هذا ، كقول سفيان: إنما
العلم عندنا الرخصة من ثقة ، فأما التشديد فيحسنه كل أحد " انتهى من "المجموع"
(1/79).
ثالثا:
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم شعائر الإسلام، وهما من أسباب خيرية هذه
الأمة، كما قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) آل
عمران/111، ولهذا الأمر والنهي ضوابط وآداب لابد من مراعاتها .
وقد جمع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعض الضوابط والآداب في كلمة جامعة له قال
فيها :
"ينبغي لمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أن يكون فقيهاً فيما يأمر به ، فقيهاً
فيما ينهى عنه ، رفيقاً فيما يأمر به ، رفيقاً فيما ينهى عنه ، حليماً فيما يأمر به
، حليماً فيما ينهى عنه ، فالفقه قبل الأمر ليعرف المعروف وينكر المنكر ، والرفق
عند الأمر ليسلك أقرب الطرق إلى تحصيل المقصود ، والحلم بعد الأمر ليصبر على أذى
المأمور المنهي ؛ فإنه كثيراً ما يحصل له الأذى بذلك ، ولهذا قال تعالى : (
وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ)
لقمان/17 " انتهى من "مجموع الفتاوى" ( 15 / 167 ).
والتعامل مع أهل البدع بالإنكار والهجر والزجر، أو ترك ذلك، يختلف باختلاف
البدعة ودرجتها، وحال صاحبها، وما يترتب على ذلك من مصالح ومفاسد.
وانظر: سؤال رقم : (237360) ، ورقم : (22872) ، ورقم : (171445) .
وأما الإنكار في مسائل الخلاف الفقهي، ففيه تفصيل، فينكر القول الذي خالف نصا من الكتاب أو السنة أو الإجماع، ولا إنكار في مسائل الاجتهاد، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (70491) ، ورقم : (177830) .
هذا وقد راعينا الاختصار بما يناسب طبيعة الفتوى، وإلا فهذه المسائل التي
أوردتها تحتاج إلى بسط وتفصيل، ولعل في الأجوبة المحال عليها كفاية إن شاء الله.
والله أعلم.