الحمد لله.
أولا:
شرط الوقف أن يكون منجزا، إلا إن علقه على الموت فأوصى-مثلا- أن يكون عقاره وقفا بعد موته، ففيه خلاف، والجمهور على أنه يصح، ويكون وصية، فيتقيد بالثلث، ولا يكون لوارث، إلا أن يوافق بقية الورثة على ما زاد على الثلث، أو على كون الوصية لأحد الورثة.
قال ابن قدامة في المقنع ص239 في شروط الوقف: " الرابع: أن يقف ناجزاً ، فإِن علقه على شرط لم يصح ، إِلا أن يقول: هو وقف بعد موتي ، فيصح في قول الخرقي، وقال أبو الخطاب لا يصح" انتهى.
وقال المرداوي في الإنصاف (7/ 23) : " قوله ( الرابع : أن يقف ناجزا . فإن علقه على شرط : لم يصح ) . هذا المذهب . وعليه أكثر الأصحاب . وجزم به في الوجيز , وغيره . وقدمه في الفروع , وغيره . وقيل : يصح . واختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله , وصاحب الفائق , والحارثي , وقال : الصحة أظهر . ونصره ...
قوله ( إلا أن يقول : هو وقف من بعد موتي ) فيصح في قول الخرقي . وهو المذهب ...
قال في القواعد : وهو أصح . لأنها وصية , والوصايا تقبل التعليق...
فعلى المذهب : يعتبر من الثلث" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " أما الوقف المعلق بالموت كما لو قال: هذا وقف بعد موتي، فالمذهب أنه لازم من حين قوله، ولا يمكن فسخه، لكن مع ذلك لا ينفذ منه إلا ما كان من ثلث المال فأقل .
فيجعلونه وصية من وجه ، ووقفاً من وجه، وهذا غير صحيح، فلا يمكن أن نعطي عقداً حكمين مختلفين، فإما أن نقول: إنه يلزم في الحال ، ونلغي التعليق، وإذا قلنا بأنه يلزم في الحال: لزم، سواء كان الثلث أو أكثر أو أقل، وإما أن نقول: لا يلزم إلا بعد الموت، وحينئذٍ يكون من الثلث فأقل، وهذا هو الصحيح؛ لأن الرجل علق الوقف بشرط ، وهو الموت، فلا يمكن أن ينفذ قبل وجود الشرط، فلا ينفذ إلا بعد الموت ، ويكون من الثلث فأقل.
مثال ذلك: قال رجل: إذا مت فبيتي وقف، أو إذا مت فمكتبتي وقف، فالمذهب أنه ينفذ من الآن ولا يمكن أن يبيع شيئاً من هذا؛ لأنه نفذ، لكن إذا مات : فإن أجاز الورثة الوقف : نفذ، وإن لم يجيزوه : لم ينفذ منه إلا مقدار ثلث التركة.
والصواب: أنه لا ينفذ إلا بعد الموت، وأنه ما دام حياً ، فله التغيير والتبديل والإلغاء، فإذا مات : فإن أجازه الورثة : نفذ، وإن لم يجيزوه نفذ منه قدر ثلث التركة فقط" انتهى من الشرح الممتع (11/ 57).
وإلى هذا ذهب الشافعية أيضا، فجعلوا الوقف المعلق على الموت : وصية من جهة، ووقفا من جهة، لكن جوزوا الرجوع عنه قبل الموت.
قال في منهج الطلاب: " يصح تعليقه بالموت، كوقفت داري بعد موتي على الفقراء. قال الشيخان: وكأنه وصية" انتهى.
وقال البجيرمي في حاشيته عليه (3/ 206): "قال العلامة الرشيدي: قال الشارح في شرح البهجة: والحاصل أنه يصح ، ويكون حكمه حكم الوصايا في اعتباره من الثلث، وفي جواز الرجوع عنه، وفي عدم صرفه للوارث، وحكم الأوقاف في تأبيده ، وعدم بيعه وهبته وإرثه ؛ أي : بعد موت الواقف ا هـ بحروفه" انتهى.
وفي الموسوعة الفقهية (44/ 123): " لكن يستثنى عند الجمهور الوقف المعلق على الموت، كما إذا قال: إن مت فأرضي هذه موقوفة على الفقراء، فإن الوقف يصح؛ لأنه تبرع مشروط بالموت، ويعتبر وصية بالوقف، وعندئذ يجري عليه حكم الوصية، في اعتباره من الثلث كسائر الوصايا .
والدليل على صحة تعليق الوقف بالموت ، واعتباره وصية : أن عمر رضي الله عنه وصى، فكان في وصيته: " هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين ، إن حدث به حدث الموت : أن ثَمْغًا: صدقة " ووقفه هذا كان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، واشتهر في الصحابة ولم ينكر؛ فكان إجماعا" انتهى.
فعلى هذا: إن كان جدك لم ينجز الوقف، وإنما جعله وصية بعد موته- كما هو ظاهر السؤال- فإنه يكون وصية، وتتقيد بثلث ماله، ولا تكون لوارث كعماتك، إلا أن يشاء الورثة.
وعليه : فلأبيك أن يعترض على ما زاد عن الثلث، وعلى الوصية بالعقار لأخواته.
وكان ينبغي أن يراجع والدك المحكمة.
ولك ، ولإخوانك ، ولكل متضرر : أن يراجع المحكمة الآن.
والله أعلم.