لي زميل مهندس يعمل بإحدى شركات إنتاج الفاكهة ، وهي شركة أمريكية مستقرة هنا في المغرب ، متخصصة في إنتاج الفاكة الحمراء ، وهناك حشرة ضارة تسبب مشاكل لهذه المنتجات ، ولمكافحتها يستعملون بعض التقنيات لتعقبها، من بين هذه التقنيات يستعملون علب مملوئة بالنبيذ لمعرفة هل الحشرة موجودة أم لا ؟ وهو المكلف بهذه المهة بكونه مسؤول عن الإنتاج ، يعني أنه أصبح يستقبل كميات مهمة من النبيذ كل أسبوع لاستعمالها ، فما حكم قيامه بذلك ؟
الحمد لله.
النبيذ المسكر خمر، والخمر لا يجوز شراؤها ولا حملها، بل يجب اجتنابها ، ويحرم إمساكها والانتفاع بها في شيء؛ لقول الله تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) المائدة/90
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً : عَاصِرَهَا ، وَمُعْتَصِرَهَا ، وَشَارِبَهَا ، وَحَامِلَهَا ، وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ ، وَسَاقِيَهَا ، وَبَائِعَهَا ، وَآكِلَ ثَمَنِهَا ، وَالْمُشْتَرِي لَهَا ، وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ ) رواه الترمذي (1295) وأبو داود (3674).
وروى أبو داود (3675) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ، سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا، قَالَ: أَهْرِقْهَا قَالَ: أَفَلَا أَجْعَلُهَا خَلًّا؟ قَالَ: لَا وصححه الألباني.
وروى الترمذي (1239) عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي اشْتَرَيْتُ خَمْرًا لِأَيْتَامٍ فِي حِجْرِي، قَالَ: أَهْرِقِ الخَمْرَ، وَاكْسِرِ الدِّنَانَ وحسنه الألباني.
وهذا يدل على وجوب إراقة الخمر وتحريم إمساكها، ولو جاز ذلك لجاز إمساك الخمر حتى تصير خلا بدلا من إتلافها على الأيتام.
قال النووي رحمه الله في المجموع (9/ 271): "بيع الخمر وسائر أنواع التصرف فيها حرام" انتهى.
وقال في الهداية: " والسابع حرمة الانتفاع بها ; لأن الانتفاع بالنجس حرام , ولأنه واجب الاجتناب وفي الانتفاع به اقتراب" انتهى.
وقال البابرتي في شرحها: " وقوله ( والسابع حرمة الانتفاع بها ) يريد التداوي بالاحتقان وسقي الدواب " انتهى من العناية شرح الهداية (10/ 96).
وفي الموسوعة الفقهية (5/ 25): "حكم الانتفاع بالخمر : ذهب جمهور الفقهاء إلى تحريم الانتفاع بالخمر للمداواة , وغيرها من أوجه الانتفاع , كاستخدامها في دهن , أو طعام , أو بل طين . واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم : وإن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم . وأخرج مسلم في صحيحه وغيره أن طارق بن سويد رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه - أو كره أن يصنعها - فقال : إنما أصنعها للدواء , فقال : إنه ليس بدواء , ولكنه داء " انتهى.
ولا تباح الخمر إلا للضرورة كأن يغص بلقمة فلا يجد ما يدفعها به غير الخمر.
وما ذكرت ليس ضرورة تبيح شراء النبيذ أو حمله، فليبحث زميلك عن وسيلة أخرى لمكافحة هذه الحشرة الضارة.
والله أعلم.