الحمد لله.
اتفق أهل العلم رحمهم الله أن ستر المصلي لعورته شرط لصحة صلاته ، ودليل ذلك قوله تعالى : ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ) .
ويشترط في اللباس الذي يستر العورة :
1- أن لا يصف البشرة ، فإن وصفها لم يجزئ لأن الستر لا يحصل بدون ذلك .
2- أن يكون طاهراً ، فإن الثوب النجس لا تصح الصلاة به لحرمة حمل النجاسة في الصلاة
قال تعالى : ( وثيابك فطهر ) ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتي إليه بصبي لم يأكل الطعام ، فأجلسه في حجره ، فبال الصبي في حجره ، فدعا بماء فأتبعه إياه " فدلت مبادرة النبي صلى الله عليه وسلم لغسل الثوب من بول الصبي الذي بال في حجره على وجوب تطهير الثوب مما يصيبه من النجاسات .
3-أن يكون مباحاً ليس بمحرم ، سواء كان محرماً لعينه كثوب الحرير ، أو لوصفه كالثوب الذي فيه إسبال ، أو لكسبه كأن يكون مغصوباً أو مسروقاً .
أما بالنسبة لانكشاف العورة أثناء الصلاة فقد قال الشافعي رحمه الله : يجْزِي الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ كُلَّ وَاحِدٍ أَنْ يُصَلِّيَ مُتَوَارِيَيْ الْعَوْرَةِ , وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا وَصَفْت ( أي بين السرّة والركبة ) وَكُلُّ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ إلا كَفَّيْهَا وَوَجْهَهَا وَظَهْرَ قَدَمَيْهَا عَوْرَةٌ فَإِذَا انْكَشَفَ مِنْ الرَّجُلِ فِي صَلاتِهِ شَيْءٌ مِمَّا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ وَمِنْ الْمَرْأَةِ فِي صَلاتِهَا شَيْءٌ مِنْ شَعْرِهَا قَلَّ , أَوْ كَثُرَ وَمِنْ جَسَدِهَا سِوَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَمَا يَلِي الْكَفَّ مِنْ مَوْضِعِ مِفْصَلِهَا وَلا يَعْدُوهُ , عَلِمَا أَمْ لَمْ يَعْلَمَا أَعَادَا الصَّلاةَ مَعًا إلا أَنْ يَكُونَ تَنْكَشِفُ بِرِيحٍ , أَوْ سَقْطَةٍ , ثُمَّ يُعَادُ مَكَانَهُ لا لُبْثَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَبِثَ بَعْدَهَا قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ إذَا عَاجَلَهُ مَكَانَهُ إعَادَتُهُ أَعَادَ وَكَذَلِكَ هِيَ . انتهى : كتاب الأم للشافعي : باب كيفية لبس الثياب في الصلاة .
وقال ابن قدامة رحمه الله في كتابه المغني : فَصْلٌ : فَإِنْ انْكَشَفَ مِنْ الْعَوْرَةِ يَسِيرٌ . لَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ . نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : تَبْطُلُ لأَنَّهُ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْعَوْرَةِ , فَاسْتَوَى قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ , كَالنَّظَرِ . وَلَنَا : مَا رَوَى أَبُو دَاوُد , بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَيُّوبَ , عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ الْجَرْمِيِّ قَالَ : انْطَلَقَ أَبِي وَافِدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ , فَعَلَّمَهُمْ الصَّلاةَ , وَقَالَ : يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ . فَكُنْت أَقْرَأَهُمْ فَقَدَّمُونِي , فَكُنْت أَؤُمُّهُمْ وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي صَفْرَاءُ صَغِيرَةٌ , وَكُنْتُ إذَا سَجَدْتُ انْكَشَفَتْ عَنِّي , فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ النِّسَاءِ : وَارُوا عَنَّا عَوْرَةَ قَارِئِكُمْ . فَاشْتَرَوْا لِي قَمِيصًا عُمَانِيًّا , فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ بَعْدَ الإِسْلامِ فَرَحِي بِهِ . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد , , وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا , عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ , عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ , قَالَ : فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ فِي بُرْدَةٍ مُوَصَّلَةٍ فِيهَا فَتْقٌ , فَكُنْتُ إذَا سَجَدْتُ فِيهَا خَرَجَتْ اسْتِي . وَهَذَا يَنْتَشِرُ وَلَمْ يُنْكَرْ , وَلا بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْكَرَهُ وَلا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ; وَلأَنَّ مَا صَحَّتْ الصَّلاةُ مَعَ كَثِيرِهِ حَالَ الْعُذْرِ , فُرِّقَ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ فِي غَيْرِ حَالِ الْعُذْرِ , كَالْمَشْيِ , وَلأَنَّ الاحْتِرَازَ مِنْ الْيَسِيرِ يَشُقُّ , فَعُفِيَ عَنْهُ كَيَسِيرِ الدَّمِ . إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّ حَدَّ الْكَثِيرِ مَا فَحُشَ فِي النَّظَرِ , وَلا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْفَرْجَيْنِ وَغَيْرِهِمَا . وَالْيَسِيرُ مَا لا يَفْحُشُ , وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعَادَةِ , إلا أَنَّ الْمُغَلَّظَةَ يَفْحُشُ مِنْهَا مَا لا يَفْحُشُ مِنْ غَيْرِهَا , فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي الْمَانِعِ مِنْ الصَّلاةِ . .. ( و ) هَذَا شَيْءٌ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِتَقْدِيرِهِ , فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ , كَالْكَثِيرِ مِنْ الْعَمَلِ فِي الصَّلاةِ , ..
فإن كانت هذه الشقوق تظهر جزءاً كبيراً عرفاً من العورة ، وكانت المدة ، أو لم يمكن تغطيته لضيق الثوب مثلا ، فإن الصلاة غير صحيحة لأن ستر العورة من شروط الصلاة ، وإذا تخلف شرط من شروطها بغير عذر كالعجز لم تصح ، فالواجب عليك أن تعيد الصلوات التي صليتها بهذا الثوب ، فإن جهلت عددها بنيت على اليقين ، فمثلاً إن كنت تشك هل تلك الصلوات أربع أو ثلاث أو خمس ولكنها لا تزيد على الخمس فاليقين في هذه الحالة أنها خمس ، وهكذا . والله أعلم .