عمري ٢٠ سنة طُويلبة علم، وحافظة لكتاب الله تعالى، انتقلت منذ سنتين من الرياض إلى الكرك، وأحزنني كثيرا ما أراه من جهل، وضعف التحاكم إلى الشريعة، فانطويت على نفسي، واعتكفت على العلم الشرعي، كثير من معلماتي وصديقاتي في الرياض يلومونني على عزلتي، ويشجعونني على الخروج لتعليم الناس، والاختلاط معهم؛ بزعمهم أن لدي القدرة على توصيل المعلومات بشكل مؤثر، لكنني خائفة من التصدر المبكر، وقلة زادي في العلم، وعدم وجود ناصحة تشرف علي، وتوجهني إن أخطأت، وخائفة أن يؤثر المجتمع علي فلا أثبت، وخائفة جدا من أن يستشرفني الشيطان فأقول على الله بغير علم، ويلحقني العجب والرياء، فوجهوني بنصحكم
الحمد لله.
الأخت الكريمة
المسلم إذا واتته فرصة إرشاد الناس إلى الخير وتعليمهم مما علمه الله تعالى، فلا يفوت الفرصة بعقبات نفسية، ولا يترك الوساوس تعيقه عن أبواب الخير، فلا ينظر إلى التعليم والإرشاد على أنه مرتبة اجتماعية يخاف فتنتها، ولا ينظر إلى التعليم على أنه مجال كثير التعقيد فيخاف عقباته، بل عليه أن ينظر إلى تعليم الناس الخير أنه تكليف ومطلب شرعي، فلا يفر العالم من تعليم الجاهل.
وهو من التكاليف الشرعية التي يؤديها المسلم بحسب طاقته، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فيعلم المسلم غيره ما يعلمه، ويقول لما لا يعلم: الله أعلم.
فالحافظ لكتاب الله تعالى يشتغل بتحفيظ غيره، والدارس إذا لم ينته من أبواب الفقه كلها، بل درس فقط كتاب العبادات، اكتفى بتعليم أبواب العبادات دون غيرها، وهكذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ رواه البخاري (3461).
وعَنْ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا رَأَى شَوْقَنَا إِلَى أَهَالِينَا، قَالَ: ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ، وَعَلِّمُوهُمْ، وَصَلُّوا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ رواه البخاري، (628) ومسلم (674).
والتعليم باب عظيم من أبواب الخير، فلا يؤجله الطالب إلى غد إذا فتح له بابه اليوم، فقد تعترضه عوائق فيفوته ما وعد الله به معلم الخير من عظيم الأجر ودوامه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا... رواه مسلم (2674).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ رواه مسلم (1631).
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:
"طالب العلم يجمع بين الأمرين، بين العلم وبين الدعوة، وبين العمل وبين الإصلاح بين الناس والنصيحة، لا يقف عند حد. لكن على قدر طاقته، على وجه لا يشغله عن الواجب، فهو طالب علم، وهو داعية إلى الله، وهو ناصح وهو معلم أيضا، ومصلح بين الناس يكون له آثار صالحة، طالب العلم، خصوصا الطالب في كلية الشريعة وكلية أصول الدين أو في حلقات المشايخ: يجب أن تكون عنده همة عالية، فلا يقتصر على شيء دون شيء، بل يجتهد في كل خير حسب علمه وقدرته، فهو مع المصلحين، ومع الدعاة ومع المعلمين، ومع الناصحين، ومع الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وهكذا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان، يدخلون في كل شيء مما ينفع الناس ولا يتأخرون عن شيء فيه خير للناس." انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ عبد العزيز بن باز" (24 / 24).
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (103895 ).
والله أعلم.