هل ثبت أن المعراج شيء مادي كسلم أو درج فرقى عليه النبي عليه الصلاة والسلام ؟
الحمد لله.
المعراج آلة العروج، ولا يُعلم كيفيتها؛ لعدم ورود ذلك في سنة صحيحة.
وقد جاء في وصف المعراج ما رواه البيهقي في دلائل النبوة (2/ 390) من حديث أبي سعيد مرفوعا: (ثُمَّ دَخَلْتُ أَنَا وَجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أُتِيتُ بِالْمِعْرَاجِ الَّذِي تَعْرُجُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ بَنِي آدَمَ، فَلَمْ ير الخلائق أَحْسَنَ مِنَ الْمِعْرَاجِ، مَا رَأَيْتُمُ الْمَيِّتَ حِينَ يُشَقُّ بَصَرُهُ طَامِحًا إِلَى السَّمَاءِ، فَإِنَّمَا يُشَقُّ بَصَرُهُ طَامِحًا إِلَى السَّمَاءِ عَجَبه بِالْمِعْرَاجِ قَالَ: فَصَعَدْتُ أَنَا وَجِبْرِيلُ) الحديث، وهو حديث طويل ضعيف جدا.
وقد رواه أيضا: ابن جرير (17/ 345)، وابن أبي حاتم، جميعهم عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد، وأبو هارون العبدي مضعف عند الأئمة.
وقد ساق الحافظ الذهبي في "السيرة": طرفا من هذا الحديث، ثم قال عقبه:
" هذا حديث غريب عجيب حذفت نحو النصف منه، رواه يحيى بن أبي طالب، عن عبد الوهاب، وهو صدوق، عن راشد الحماني، وهو مشهور، روى عنه حماد بن زيد، وابن المبارك، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، عن أبي هارون عمارة بن جوين العبدي، وهو ضعيف شيعي. وقد رواه عن أبي هارون أيضا هشيم، ونوح بن قيس الحداني بطوله نحوه، حدث به عنهما قتيبة بن سعيد. ورواه سلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، عن روح بن القاسم، عن أبي هارون العبدي بطوله. ورواه أسد بن موسى، عن مبارك بن فضالة. ورواه عبد الرزاق، عن معمر. والحسن بن عرفة، عن عمار بن محمد، كلهم عن أبي هارون. وبسياق مثل هذا الحديث صار أبو هارون متروكا". انتهى، من "سير أعلام النبلاء" (225-226).
وقال ابن كثير في تفسيره (5/ 25) بعد ذكر الحديث: "على غرابته وما فيه من النكارة، ثم ذكره البيهقي، أيضا، من رواية نوح بن قيس الحداني وهشيم ومعمر، عن أبي هارون العبدي -واسمه عمارة بن جوين، وهو مضعف عند الأئمة" انتهى.
وقال عنه في "السيرة النبوية" (2/ 98): "فإنه من غرائب الأحاديث وفي إسناده ضعف" انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الفتح" (7/ 208): " فأما العروج ففي غير هذه الرواية من الأخبار أنه لم يكن على البراق، بل رقي المعراج وهو السلم، كما وقع مصرحا به في حديث أبي سعيد عند ابن إسحاق والبيهقي في الدلائل، ولفظه: "فإذا أنا بدابة كالبغل مضطرب الأذنين، يقال له البراق، وكانت الأنبياء تركبه قبلي، فركبته فذكر الحديث، قال: ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس فصليت ثم أُتيت بالمعراج" وفي رواية ابن إسحاق: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لما فرغت مما كان في بيت المقدس أتي بالمعراج، فلم أر قط شيئا كان أحسن منه، وهو الذي يمد إليه الميت عينيه إذا حُضر، فأصعدني صاحبي فيه حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء" الحديث، وفي رواية كعب: "فوضعت له مرقاة من فضة ومرقاة من ذهب، حتى عرج هو وجبريل"، وفي رواية لأبي سعيد في "شرف المصطفى" أنه أتي بالمعراج من جنة الفردوس، وأنه منضد باللؤلؤ وعن يمينه ملائكة وعن يساره ملائكة" انتهى.
والحديث ذكره الشيخ الألباني، رحمه الله في "السلسة الضعيفة" (6203)، وقال: " موضوع.
ولوائح الوضع عليه ظاهرة". انتهى.
ورواية كعب، أخرجها الواسطي في "فضائل بيت المقدس" كما في "الدر المنثور" للسيوطي (5/ 226).
ولا يصح من ذلك شيء، ولهذا فإنه يؤمن بالمعراج من غير بحث في كيفيته.
قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله في "شرح الطحاوية" (1/ 270): "المعراج: مفعال، من العروج، أي الآلة التي يعرج فيها، أي يصعد، وهو بمنزلة السلم، لكن لا نعلم كيف هو، وحكمه كحكم غيره من المغيبات، نؤمن به ولا نشتغل بكيفيته" انتهى.
والله أعلم.